للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ) وتقدم أن هذا الأمر للاستحباب.

• قال ابن كثير: وهذا الأمر محمول عند الجمهور على الإرشاد والندب، لا على الوجوب، والدليل على ذلك حديث خُزَيمة بن ثابت الأنصاري، وقد رواه الإمام أحمد عن عمَارة بن خزيمة الأنصاري، أن عمه حدثه -وهو من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ابتاع فرسًا من أعرابي، فاستتبعه النبي -صلى الله عليه وسلم- ليقضيه ثمن فرسه، فأسرع النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبطأ الأعرابي، فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومونه بالفرس، ولا يشعرون أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ابتاعه، حتى زاد بعضهم الأعرابي في السوم على ثمن الفرس الذي ابتاعه النبي -صلى الله عليه وسلم-، فنادى الأعرابي النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إن كنت مبتاعًا هذا الفرس فابتَعْه، وإلا بعتُه، فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- حين سمع نداء الأعرابي، قال: أو ليس قد ابتعته منك؟ " قال الأعرابي: لا والله ما بعتك. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: بل قد ابتعته منك، فطفق الناس يلوذون بالنبي -صلى الله عليه وسلم- والأعرابي وهما يتراجعان، فطفق الأعرابي يقول: هَلُم شهيدًا يشهد أني بايعتك. فمن جاء من المسلمين قال للأعرابي: ويلك! إن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يقول إلا حقًا، حتى جاء خزَيْمة، فاستمع لمراجعة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومراجعة الأعرابي يقول هلم شهيدًا يشهد أني بايعتك. قال خزيمة: أنا أشهد أنك قد بايعته، فأقبل النبي -صلى الله عليه وسلم- على خزيمة فقال: بم تشهد؟ فقال: بتصديقك يا رسول الله. فجعل رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- شهادة خُزَيمة بشهادة رجلين).

(وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) أي: لا يضارر كاتب في كتابته، فيكتب غير ما يُملي، أو يمتنع من الكتابة مضارة للمملي أو لغيره.

ولا يضار شهيد في شهادته، فيشهد بخلاف ما رأى وسمع، وبخلاف الحق، أو يمتنع من تحمل الشهادة، أو أدائها أو يكتمها مضارة للمشهود له.

• قال الرازي: قوله تعالى (وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ) اعلم أنه يحتمل أن يكون هذا نهياً للكاتب والشهيد عن إضرار من له الحق، أما الكاتب فبأن يزيد أو ينقص أو يترك الاحتياط، وأما الشهيد فبأن لا يشهد أو يشهد بحيث لا يحصل معه نفع، ويحتمل: أن يكون نهياً لصاحب الحق عن إضرار الكاتب والشهيد، بأن يضرهما أو يمنعهما عن مهماتهما.

والأول: قول أكثر المفسرين والحسن وطاوس وقتادة، والثاني: قول ابن مسعود وعطاء ومجاهد.

(وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) أي: إن خالفتم ما أمرتم به، وفعلتم ما نَهِيتم عنه، فإنه فسق كائن بكم، أي: لازم لكم لا تحيدون عنه ولا تنفكون عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>