واستدل هؤلاء بما يلي:
أ-أن الله أمر نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يأمر اليهود بأن يأتوا بالتوراة، ليحتج عليهم بها، كما في قوله تعالى (قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) ولو كانت محرفة لما صح الاحتجاج عليهم بها.
ب- ما جاء عن ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ (أُتِىَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنَ الْيَهُودِ قَدْ زَنَيَا فَقَالَ لِلْيَهُودِ «مَا تَصْنَعُونَ بِهِمَا». قَالُوا نُسَخِّمُ وُجُوهَهُمَا وَنُخْزِيهِمَا. قَالَ «(فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)». فَجَاءُوا فَقَالُوا لِرَجُلٍ مِمَّنْ يَرْضَوْنَ يَا أَعْوَرُ اقْرَأْ. فَقَرَأَ حَتَّى انْتَهَى عَلَى مَوْضِعٍ مِنْهَا فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ. قَالَ «ارْفَعْ يَدَكَ». فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهِ آيَةُ الرَّجْمِ تَلُوحُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ عَلَيْهِمَا الرَّجْمَ. وَلَكِنَّا نُكَاتِمُهُ بَيْنَنَا. فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا، فَرَأَيْتُهُ يُجَانِئُ عَلَيْهَا الْحِجَارَةَ) متفق عليه.
قال ابن عبد البر: وفي ذلك دليل على أن التوراة صحيحة بأيديهم، ولولا ذلك، ما سألهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنها.
ج- قالوا: إذا كان التبديل قد وقع في ألفاظ التوراة والإنجيل قبل مبعث محمد لم يُعلم الحق من الباطل، فسقط الاحتجاج بهما ووجوب العمل بهما على أهل الكتاب، فلا يُذمون حينئذ على ترك اتباعهما، والقرآن قد ذمهم على ترك الحكم بما فيهما، واستشهد بهما في مواضع.
(وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا) أي: يقولون سمعنا ما قلته يا محمد ولا نطيعك فيه، هكذا فسره مجاهد وابن زيد، وهو المراد، وهذا أبلغ في عنادهم وكفرهم، أنهم يتولون عن كتاب الله بعد ما عقلوه، وهم يعلمون ما عليهم في ذلك من الإثم والعقوبة. (ابن كثير)
• قال السعدي: أي سمعنا قولك، وعصينا أمرك، وهذا غاية الكفر والعناد، والشرود عن الانقياد.
• قيل: أنهم يقولون في الظاهر: سمعنا، ويقولون في أنفسهم: وعصينا.
وقيل: أنهم كانوا يظهرون قولهم: سمعنا وعصينا، إظهاراً للمخالفة، واستحقاراً للأمر.
(وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ) أي: اسمع ما نقول، لا سمعت.
وقال مجاهد والحسن: واسمع غير مقبول منك، قال ابن جرير: والأول أصح. وهو كما قال. وهذا استهزاء منهم واستهتار، عليهم لعنة الله.
فاليهود - عليهم لعائن الله - يقصدون به الدعاء به على الرسول -صلى الله عليه وسلم-: أي لا أسمعك الله، وهو دعاء بالصمم أو بالموت.
(وَرَاعِنَا) أي: ويقولون في أثناء خطابهم: (راعنا) أي: يوهمون أنهم يقولون: راعنا سمعك بقولهم (راعنا) وإنما يريدون الرعونة، وهي الحمق.
• لا ينبغي للإنسان أن يتكلم بالعبارات الموهمة.
(لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ) أي: فتلاً وتحريفاً عن الحق إلى الباطل.
(وَطَعْنًا فِي الدِّينِ) أي: قدحاً في الإسلام.
• قال الشوكاني: أي يطعنون في الدين بقولهم: لو كان نبياً لعلم أنا نسبه، فأطلع الله سبحانه نبيه -صلى الله عليه وسلم- على ذلك.
• قال ابن عطية: وهذا موجود حتى الآن في اليهود، وقد شاهدناهم يربّون أولادهم الصغار على ذلك، ويحفظونهم ما يخاطبون به المسلمين مما ظاهره التوقير ويريدون به التحقير.
(وَلَوْ أَنَّهُمْ) أي: اليهود.