كما قال تعالى (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ).
وقال تعالى (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً).
وقال تعالى (وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ).
وقال تعالى (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا).
وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ).
وقال تعالى (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ).
(وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ) أي: على أيّ حال يقع منكم الكفر.
(وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ) الدالة على توحيده ونبوة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
(وَفِيكُمْ رَسُولُهُ) يعني: محمداً -صلى الله عليه وسلم- يعلمكم الكتاب والحكمة ويزكيكم بتحقيق الحق وإزاحة الشبه.
• قال ابن عاشور: قوله تعالى (وفيكم رسوله) حقيقيّة ومؤذنة بمنقبة عظيمة، ومنّة جليلة، وهي وجود هذا الرسول العظيم بينهم، تلك المزيّة الَّتي فاز بها أصحابه المخاطبون، وبها يظهر معنى قوله صلى -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الترمذي عن أبي سعيد الخدْري (لَا تسبُّوا أصحابي فوالّذي نفسي بيده لَوْ أنّ أحدكم أنفق مثلَ أُحُد ذَهَباً مَا بَلَغ مُدّ أحدِهم ولا نصِيفه).
وفي الآية دلالة على عِظْم قدْر الصّحابة وأنّ لهم وازعين عن مواقعة الضّلال: سماعُ القرآن، ومشاهدَة أنوار الرّسول -عليه السلام- فإنّ وجوده عصمة من ضلالهم.
• والأكثرون على تخصيص هذا الخطاب بأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو الأوس والخزرج منهم، ومنهم من جعله عاماً لسائر المؤمنين وجميع الأمة، وعليه معنى كونه -صلى الله عليه وسلم- فيهم، إن آثاره وشواهد نبوته فيهم لأنها باقية حتى يأتي أمر الله، ولم يسند سبحانه التلاوة إلى رسوله عليه الصلاة والسلام إشارة إلى استقلال كل من الأمرين في الباب، وإيذاناً بأن التلاوة كافية في الغرض من أي تال كانت.
• قال القرطبي: ويدخل في هذه الآية مَن لم يَرَ النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن ما فيهم من سُنّته يقوم مقام رؤيته.
• قال ابن كثير: يعني: أن الكفر بعيد منكم وحاشاكم منه؛ فإن آيات الله تنزل على رسوله ليلاً ونهارًا، وهو يتلوها عليكم ويبلغها إليكم، وهذا كقوله تعالى (وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) والآية بعدها.
وكما جاء في الحديث: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال يوما لأصحابه (أيُّ الْمُؤمِنِينَ أعْجَبُ إلَيْكُمْ إيمَانًا؟ قالوا: الملائكة. قال: وَكَيْفَ لا يُؤْمِنُونَ وَهُمْ عِنْدَ رَبِّهِم؟ وذكروا الأنبياء قال: وَكَيْفَ لا يُؤْمِنُونَ وَالْوَحْيُ يَنزلُ عَلَيْهِمْ؟ قالوا: فنحن. قال: وَكَيْفَ لا تُؤْمِنُونَ وأنَا بَيْنَ أظْهُرِكُم؟. قالوا: فأيّ الناس أعجب إيمانًا؟ قال: قَوْمٌ يَجِيؤُونَ مِنْ بَعْدِكُمْ يَجِدونَ صُحُفًا يُؤْمِنُونَ بِمَا فِيهَا).
(وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ) توكلاً عليه واعتماداً ودعاء واستعانة.