• قوله تعالى ( … بعد إيمانكم) يعني يوم الميثاق حين قالوا بلى.
ويقال: هذا لليهود وكانوا مؤمنين بمحمد -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يبعث فلما بعث كفروا به.
وقال أبو العالية: هذا للمنافقين، يقال: أكفرتم في السر بعد إقراركم في العلانية.
• وقال الطبري: وأولى الأقوال التي ذكرناها في ذلك بالصواب، القولُ الذي ذكرناه عن أبي بن كعب أنه عنى بذلك جميع الكفار، وأنّ الإيمان الذي يوبَّخُون على ارتدادهم عنه، هو الإيمان الذي أقروا به يوم قيل لهم:(أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا).
ثم قال مبيناً وجه الترجيح: وذلك أن الله جل ثناؤه جعل جميعَ أهل الآخرة فريقين: أحدهما سودًا وجوهه، والآخر بيضًا وجوهه. فمعلوم -إذ لم يكن هنالك إلا هذان الفريقان- أن جميع الكفار داخلون في فريق من سُوِّد وجهه، وأن جميع المؤمنين داخلون في فريق من بُيِّض وجهه. فلا وجه إذًا لقول قائل: عنى بقوله: "أكفرتم بعد إيمانكم، بعض الكفار دون بعض، وقد عمّ الله جل ثناؤه الخبرَ عنهم جميعهم، وإذا دخل جميعهم في ذلك، ثم لم يكن لجميعهم حالة آمنوا فيها ثم ارتدوا كافرين بعدُ إلا حالة واحدة، كان معلومًا أنها المرادة بذلك.
• قال ابن عاشور: وقدم عند وصف اليوم ذكر البياض، الذي هو شعار أهل النعيم، تشريفا لذلك اليوم بأنه يوم ظهور رحمة الله ونعمته، ولأن رحمة الله سبقت غضبه، ولأن في ذكر سمة أهل النعيم، عقب وعيد غيرهم بالعذاب، حسرة عليهم، إذ يعلم السامع أن لهم عذابا عظيما في يوم فيه نعيم عظيم.
ثم قدم في التفصيل ذكر سمة أهل العذاب تعجيلاً بمساءتهم.
(فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) أي: فادخلوا جهنم وذوقوا مرارة العذاب وآلامه بسبب استمراركم على الكفر وموتكم عليه.
• قال الرازي: أنه لو لم يذكر ذلك لكان الوعيد مختصاً بمن كفر بعد إيمانه، فلما ذكر هذا ثبت الوعيد لمن كفر بعد إيمانه ولمن كان كافراً أصلياً.