• قال القرطبي: إن قيل: كيف لم يموتوا والله تعالى إذا قال لشيء: كن فيكون.
قيل عنه جوابان:
أحدهما: قال فيه الطبريّ وكثير من المفسرين: هو دعاء عليهم، أي قل يا محمد أدام الله غيظكم إلى أن تموتوا.
فعلى هذا يتجه أن يدعو عليهم بهذا مُوَاجهةً وغيرَ مواجهة بخلاف اللّعْنَة.
الثاني: أن المعنى أخبرهم أنهم لا يدركون ما يؤملون، فإن الموت دون ذلك، فعلى هذا المعنى زال معنى الدعاء وبقي معنى التقْرِيع والإغَاظَة.
(إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) أي: هو عليم بما تنطوي عليه ضمائركم، وتُكنُّه سَرَائرُكُم من البغضاء والحسد والغل للمؤمنين، وهو مجازيكم عليه في الدنيا بأن يريكم خلاف ما تؤمّلون، وفي الآخرة بالعذاب الشديد في النار التي أنتم خالدون فيها، فلا خروج لكم منها.
(إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا) وهذه الحال دالة على شدة العداوة منهم للمؤمنين وهو أنه إذا أصاب المؤمنين خصب، ونصر وتأييد، وكثروا وعزّ أنصارهم، ساء ذلك المنافقين، وإن أصاب المسلمين سَنَة -أي: جَدْب-أو أُديل عليهم الأعداء، لما لله في ذلك من الحكمة، كما جرى يوم أُحُد، فَرح المنافقون بذلك.
• قال ابن عطية: ذكر الله تعالى المس في الحسنة ليبين أن بأدنى طروء الحسنة تقع المساءة بنفوس هؤلاء المبغضين، ثم عادل ذلك في السيئة بلفظ الإصابة، وهي عبارة عن التمكن.
لأن الشيء المصيب لشيء هو متمكن منه، أو فيه، فدل هذا النوع البليغ على شدة العداوة، إذ هو حقد لا يذهب عند نزول الشدائد، بل يفرحون بنزول الشدائد بالمؤمنين.
• قال في التفسير الوسيط: فالجملة الكريمة بيان لفرط عداوة هؤلاء المنافقين للمؤمنين، حيث يحسدونهم على ما ينالهم من خير، ويشمتون بهم عند ما ينزل بهم شر.
وعبر في جانب الحسنة بالمس، وفي جانب السيئة بالإصابة، للإشارة إلى تمكن الأحقاد من قلوبهم، بحيث إن أي حسنة حتى ولو كان مسها للمؤمنين خفيفا وليس غامرا عاما فإن هؤلاء المنافقين يحزنون لذلك، لأنهم يستكثرون كل خير للمؤمنين حتى ولو كان هذا الخير ضئيلاً.
• وقيل: والتعبير هنا بالمسّ مع الحسنة وبالإصابة مع السيئة لمجرد التفنن في التعبير، وقد سوى بينهما في غير هذا الموضع كقوله تعالى (إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ) وقوله سبحانه (إِذَا مَسَّهُ الشر جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الخير مَنُوعاً).
• قال القرطبي: والمعنى في الآية: أن من كانت هذه صفته من شدّة العداوة والحِقد والفرح بنزول الشدائد على المؤمنين، لم يكن أهلاً لأن يتخذ بطانة، لا سِيما في هذا الأمر الجسيم من الجهاد الذي هو مِلاك الدنيا والآخرة؛ ولقد أحسن القائل في قوله:
كلّ العداوةِ قد تُرجَى إفاقتُها … إلاّ عداوة مَن عاداك مِنْ حسدِ.