للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال تعالى (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) وهذا في يوم بدر.

عن رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ. قَالَ جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ (مَا تَعُدُّونَ أَهْلَ بَدْرٍ فِيكُمْ قَالَ مِنْ أَفْضَلِ الْمُسْلِمِينَ - أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا قَالَ وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْراً مِنَ الْمَلَائِكَةِ) رواه البخاري.

(وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) أي: وإلا فإنما النصر من عند الله، الذي لو شاء لانتصر من أعدائه بدونكم، ومن غير احتياج إلى قتالكم لهم، كما قال تعالى بعد أمره المؤمنين بالقتال (ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ. سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ. وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ)، ولهذا قال هاهنا (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) أي: هو ذو العزة التي لا تُرام، والحكمة في قَدره والإحكام.

• قال القرطبي: نزول الملائكةِ سبب من أسباب النصر لا يحتاج إليه الرب تعالى، وإنما يحتاج إليه المخلوق فلْيَعْلَق القلب بالله ولْيَثِق به، فهو الناصر بسبب وبغير سبب (إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ).

لكن أخبر بذلك ليمتثل الخلقُ ما أمرهم به من الأسباب التي قد خلت من قبل (وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلاً)، ولا يَقْدَح ذلك في التوَكُّل.

وهو ردّ على من قال: إن الأسباب إنما سُنّت في حق الضعفاء لا للأقوياء؛ فإنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه كانوا الأقوياء وغيرهم هم الضعفاء؛ وهذا واضِحٌ.

• قال ابن عاشور: وجملة (وما النصر إلا من عند الله) تذييل أي كلّ نصر هو من الله لا من الملائكة.

وإجراء وصفي العزيز الحكيم هنا لأنَّهما أولى بالذكر في هذا المقام، لأنّ العزيز ينصر من يريد نصره، والحكيم يعلم من يستحق نصره وكيف يُعطاه.

• وقال أبو حيان: قوله تعالى (وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم) حصر كينونة النصر في جهته، لا أنَّ ذلك يكون من تكثير المقاتلة، ولا من إمداد الملائكة.

وذكر الإمداد بالملائكة تقوية لرجاء النصر لهم، وتثبيتاً لقلوبهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>