قال ابن حبان: الواجب على العاقل توطين النفس على لزوم العفو عن الناس كافة، وترك الخروج لمجازاة الإساءة! إذ لا سبب لتسكين الإساءة أحسنُ من الإحسان، ولا سبب لنماءِ الإساءة وتهييجها أشدُّ من الاستعمال بمثلها.
وقال عمر بن عبد العزيز: أحب الأمور إلى الله ثلاثة: العفو في القدرة، والقصد في الجدة، والرفق في العبادة، وما رفق أحد بأحد في الدنيا إلا رفق الله به يوم القيامة.
وراحت النفس في العفو: فقد قال أحد الشعراء:
لما عفوت، ولم أحقد على أحدٍ … أرحت قلبي من غم العداوات
إني أحي عدوي عند رؤيته … لأدفع الشر عني بالتحيات
وأظهر البشر للإنسان أبغضه … كأنما قد حشى قلبي محبات.
أبو الدرداء، سُئل أبو الدرداء - رضي الله عنه - عن أعز الناس؟ قال: الذي يعفو إذا قدر، فاعفوا يعزكم الله.
قال علي: إذا قدرت على عدوك، فاجعل العفو عنه، شكرًا للقدرة عليه.
قال معاوية: عليكم بالِحلْم والاحتمال حتى يُمْكِنُكُمُ الفُرصةُ، فإذا أمكنكم؛ فعليكم بالصفح والإفضال.
قال الحسن: أفضلُ أخلاق المؤمن العفو.
قال سعيد بن المسيب: ما من شيء إلا والله يُحبُّ أن يُعفَى عنه ما لم يكن حداً.
قال الأحنف: إياكم ورأي الأوغاد، قالوا وما رأى الأوغاد؟ قال الذين يرون الصفح والعفو عاراً.
نبينا هو القدوة في العفو عن الناس.
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- غَزْوَةَ نَجْدٍ، فَلَمَّا أَدْرَكَتْهُ الْقَائِلَةُ وَهُوَ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ، فَنَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ وَاسْتَظَلَّ بِهَا، وَعَلَّقَ سَيْفَهُ؛ فَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الشَّجَرِ يَسْتَظِلُّونَ، وَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ فَجِئْنَا فَإِذَا أَعْرَابِيٌّ قَاعِدٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا أَتَانِي وَأَنَا نَائِمٌ فَاخْتَرَطَ سَيْفِي فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي مُخْتَرِطٌ سيفي صَلْتًا، قَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قُلْتُ: اللَّهُ، فَشَامَهُ ثُمَّ قَعَدَ، فَهُوَ هَذَا قَالَ وَلَمْ يُعَاقِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ) متفق عليه
وعن عُرْوَةَ بن الزبير أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجَ النَّبِيِّ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ قَال: لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ؛ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ؛ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلاَّ وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ، وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ فَمَا شِئْتَ؟ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا) متفق عليه.