وعبد الله بن عَمْرو، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال-وهو على المنبر- (ارْحَمُوا تُرْحَمُوا، واغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ، وَيْلٌ لأقْمَاعِ الْقَوْلِ، وَيْلٌ للْمُصِرِّينَ الَّذِينَ يُصرونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُون) رواه أحمد.
(وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أن من تاب تاب الله عليه.
وقيل: (وهم يعلمون) أي يذكرون ذنوبهم فيتوبون منها.
وقيل: (وَهُمْ يَعْلَمُون) أني أُعاقب على الإصرار.
وقيل: (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أن الإصرار ضار، وأن تركه خير من التمادِي. (تفسير القرطبي).
(أُولَئِكَ) الموصوفين بتلك الصفات.
(جَزَاؤُهُمْ) ثوابهم على تلك الصفات.
(مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ) أي: ستر لذنوبهم وتجاوز عنها.
(وَجَنَّاتٌ) جمع جنة، والجنة في لغة العرب: البستان، لأن أشجاره الملتفة تجن الداخل فيه، وجاء إطلاق الجنة على البستان في القرآن في قوله (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ) أي البستان، وفي قوله (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ). وأما في الاصطلاح: فهي الدار التي أعدها الله لأوليائه، فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
(تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) أي من تحت أشجارها، قال ابن القيم: وهذا يدل على أمور:
أحدها: وجود الأنهار فيها. الثاني: أنها جارية لا واقفة. الثالثة: أنها تحت غرفهم وقصورهم وبساتينهم كما هو المعهود في أنهار الدنيا.
• وهذه الأنهار جاء تسميتها في قوله تعالى (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً).
قال ابن القيم: فذكر سبحانه هذه الأجناس الأربعة ونفى عن كل واحد منها الآفة التي تعرض له في الدنيا.
فآفة الماء أن يأسن ويأجن من طول مكثه، وآفة اللبن أن يتغير طعمه إلى الحموضة وأن يصير قارصاً، وآفة الخمر كراهة مذاقها المنافي للذة شربها، وآفة العسل عدم تصفيته، وهذا من آيات الرب سبحانه وتعالى أن تجري أنهار من أجناس لم تجر العادة في الدنيا بإجرائها ويجريها في غير أخدود وينفي عنها الآفات التي تمنع كمال اللذة بها كما ينفي عن خمر الجنة جميع آفات خمر الدنيا من الصداع والغول واللغو.