• قال الرازي: والمحققون مالوا إلى هذا القول لوجوه:
أحدها: أن المقصد من هذا التمثيل تحقير الأوثان، وكلما كان المشبه به أشد حقارة كان المقصود في هذا الباب أكمل حصولاً.
وثانيها: أن الغرض ههنا بيان أن الله تعالى لا يمتنع من التمثيل بالشيء الحقير، وفي مثل هذا الموضع يجب أن يكون المذكور ثانياً أشد حقارة من الأول، يقال إن فلاناً يتحمل الذل في اكتساب الدينار، وفي اكتساب ما فوقه، يعني في القلة، لأن تحمل الذل في اكتساب أقل من الدينار أشد من تحمله في اكتساب الدينار.
وثالثها: أن الشيء كلما كان أصغر كان الاطلاع على أسراره أصعب، فإذا كان في نهاية الصغر لم يحط به إلا علم الله تعالى، فكان التمثيل به أقوى في الدلالة على كمال الحكمة من التمثيل بالشيء الكبير.
• وقال ابن عاشور: وهو في هذه الآية صالح للمعنيين أي ما هو أشد من البعوضة في الحقارة وما هو أكبر حجماً.
(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) أي: أما المؤمنون فيعلمون أن الله حق، لا يقول غير الحق، وأن المثل من عند الله، فيزدادون إيماناً على إيمانهم.
(وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً) أي: وأما الذين كفروا فيتعجبون ويقولون ماذا أراد الله من ضرب الأمثال بمثل هذه الأشياء الحقيرة.
• فيه أن الاعتراض على أمر الله من أعمال الكفار، فيزدادون كفراً على كفرهم، ففيه التحذير من الاعتراض على أوامر الله.
(يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً) أي: يضل ويخذل بهذا المثل كثيراً من الكافرين لكفرهم به.
(وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) أي: ويهدي به كثيراً من المؤمنين لتصديقهم به فيزدادون هدى.
• قال الشيخ السعدي: هذه حال المؤمنين والكافرين عند نزول الآيات القرآنية، كما قال تعالى (وإذا أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيماناً فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون. وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون) فلا أعظم نعمة على العباد من نزول الآيات القرآنية، ومع هذا تكون لقوم محنة وحيرة وضلالة وزيادة شر إلى شرهم، ولقوم منحة ورحمة، وزيادة خير إلى خيرهم، فسبحان من فاوت بين عباده، وانفرد بالهداية والإضلال. …
• قوله تعالى (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) قيل: هو من قول الكافرين، أي مراد الله بهذا المثل الذي يفرق به الناس إلى ضلالة وإلى هدى.
وقيل: بل هو خبر من الله عز وجل، قال القرطبي: وهو أشبه.