• وقال الشوكاني: هذا كلام مستأنف يتضمن الحث على الجهاد والإعلام بأن الموت لابد منه.
كما قال تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ).
(وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا) أي: من أراد بعمله الدنيا وأعراضها ومتاعها أعطاه الله عز وجل ما قسم له من ذلك، ولا يكون له نصيب في الآخرة.
• وقد جاءت آيات في هذا المعنى:
قال تعالى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ. أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
وقال تعالى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيب).
وقال تعالى (فمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ … ).
وقال -صلى الله عليه وسلم- ( … فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه).
• وهذه الآية مقيدة عند كثير من العلماء بقوله تعالى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً).
(مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ) يعني الدنيا (عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ) لا ما يشاء هو (لِمَنْ نُرِيدُ) فقيد المعجل والمعجّل له.
• قال ابن الجوزي: أكثر العلماء على أن هذا الكلام محكم، وذهبت طائفة إلى نسخه بقوله تعالى (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ) والصحيح أنه محكم، لأنه لا يؤتى أحد شيئاً إلا بقدرة الله ومشيئته.
ومعنى قوله تعالى (نؤته منها) أي: ما نشاء، وما قدرنا له، ولم يقل: ما يشاء هو.
(وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا) أي: ومن قصد بعمله الدار الآخرة أعطاه الله منها مع ما قسم له في الدنيا.
(وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) ولم يذكر جزاءهم، ليدل ذلك على كثرته وعظمته، وليعلم أن الجزاء على قدر الشكر، قلة وكثرة وحسناً.
• قال ابن كثير: أي سنعطيهم من فضلنا ورحمتنا في الدنيا والآخرة بحسب شُكرهم وعملهم.
• ومعنى شكر الله لعبده: هو أن يثيبه الثواب الجزيل من عمله القليل، فإنه يعطي العبد ويوفقه لما يشكره عليه، ويشكر القليل من العمل والعطاء فلا يستقله أن يشكره، ويشكر الحسنة بعشر أمثالها إلى أضعاف مضاعفة، وإذا ترك له شيئاً أعطاه أفضل منه، وإذا بذل له شيئاً ردّه عليه أضعافاً مضاعفة.