والثالث: إطلاق الضلال على الذهاب عن علم الشيء، فكل ما لم يهتد إلى علم شيء تقول العرب: ضل.
ومنه قول أولاد يعقوب (إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي: ذهاب عن علم الحقيقة حيث يفضّل يوسف علينا.
وقوله (قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ) أي: ذهابك عن حقيقة العلم بالشيء، لأنك تظن يوسف حياً، ولا يريدون الضلال، لأنهم لو أرادوا الضلال في الدين لكانوا كفرة لتضليلهم نبياً من الأنبياء. (الشنقيطي).
ومنه قوله تعالى (لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى) أي: لا يذهب عنه علم شيء ولا ينسى شيئاً.
(الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ) ذكر تعالى صفات هؤلاء الفاسقين، فمنها أنهم ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، والنقض: إفساد ما أبرم من بناء أو حبل أو عهد.
• وقد اختلف في المراد بهذا العهد الذي وصف هؤلاء الفاسقين بنقضه:
فقيل: أنه العهد الذي أخذه الله على بني آدم حين استخرجهم من صلبه.
كما قال تعالى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ).
وقيل: هو وصية الله إلى خلقه وأمره إياهم بما أمرهم به من طاعته ونهيه إياهم عما نهاهم عنه من معصيته في كتبه على ألسن رسله.
وقيل: أنه العهد الذي أخذ عليهم على لسان أنبيائهم عليهم السلام أنهم يؤمنون بمحمد -صلى الله عليه وسلم- إذا بعث فيهم.
كما قال تعالى (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ).
والراجح العموم كما قال ابن كثير حيث قال: وقال آخرون بل عني بهذه الآية جميع أهل الكفر والشرك والنفاق وعهده إلى جميعهم في توحيده ما وضع لهم من الأدلة الدالة على ربوبيته، وعهده إليهم في أمره ونهيه ما احتج به لرسله من المعجزات التي لا
يقدر أحد من الناس غيرهم أن يأتي بمثله الشاهدة لهم على صدقهم، قالوا: ونقضهم ذلك تركهم الإقرار بما قد تبينت لهم صحته بالأدلة، وتكذيبهم الرسل والكتب مع علمهم أن ما أتوا به حق، وهذا حسن ومال إليه الزمخشري.