للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن عاشور: والمعنى: لو لم تكونوا ههنا وكنتم في بيوتكم لخرج الَّذين كتب الله عليهم أن يموتوا مقتولين فقتلوا في مضاجعهم الَّتي اضطجعوا فيها يوم أُحُد أي مصارعهم فالمراد بقوله: (كتب) قدّر، ومعنى (برز) خرج إلى البراز وهو الأرض.

• وقال القاسمي: كما قال تعالى (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ). وفيه مبالغة في رد مقالتهم الباطلة، حيث لم يقتصر على تحقيق نفس القتل، بل عين مكانه أيضاً. وفي التعبير بمضاجعهم من إجلالهم وتكريمهم ما لا يخفى على صاحب الذوق السليم.

(وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ) أي: ليختبر ما في قلوبكم من الإخلاص والنفاق.

• قوله تعالى: (وَلِيَبْتَلِيَ) الواو حرف عطف، واللام لام التعليل، ولهذا يجب كسرها، بخلاف لام الأمر، فإنها تسكن إذا وقعت بعد حرف العطف [الواو والفاء وثم] قال تعالى (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) وقال تعالى (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا)، أما لام التعليل فإنها مكسورة دائماً ولو بعد الواو أو ثم أو الفاء. (ابن عثيمين).

(وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ) أي: لينقي ما في قلوبكم ويطهره.

• قال ابن تيمية: عند المحن تظهر كمائن النفوس.

• قال الحسن: الناس وقت الرخاء متساوين فإذا وقع البلاء تباينوا.

• قال ابن عاشور: والتمحيص تخليص الشيء ممَّا يخالطه ممَّا فيه عيب له فهو كالتزكية.

والقلوب هنا بمعنى العقائد، ومعنى تمحيص ما فيه قلوبهم تطهيرها ممَّا يخامرها من الريب حين سماع شُبه المنافقين الّتي يبثُّونها بينهم.

• قال ابن القيم: ثُمّ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَنْ حِكْمَةٍ أُخْرَى فِي هَذَا التّقْدِيرِ هِيَ ابْتِلَاءُ مَا فِي صُدُورِهِمْ وَهُوَ اخْتِبَارُ مَا فِيهَا مِنْ الْإِيمَانِ وَالنّفَاقِ فَالْمُؤْمِنُ لَا يَزْدَادُ بِذَلِكَ إلّا إيمَانًا وَتَسْلِيمًا وَالْمُنَافِقُ وَمَنْ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ لَا بُدّ أَنْ يَظْهَرَ مَا فِي قَلْبِهِ عَلَى جَوَارِحِهِ وَلِسَانِهِ، ثُمّ ذَكَرَ حِكْمَةً أُخْرَى: وَهُوَ تَمْحِيصُ مَا فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ تَخْلِيصُهُ وَتَنْقِيَتُهُ وَتَهْذِيبُهُ فَإِنّ الْقُلُوبَ يُخَالِطُهَا بِغَلَبَاتِ الطّبَائِعِ؟ وَمَيْلِ النّفُوسِ وَحُكْمِ الْعَادَةِ وَتَزْيِينِ الشّيْطَانِ وَاسْتِيلَاءِ الْغَفْلَةِ مَا يُضَادّ مَا أُودِعَ فِيهَا مِنْ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَالْبِرّ وَالتّقْوَى فَلَوْ تُرِكَتْ فِي عَافِيَةٍ دَائِمَةٍ مُسْتَمِرّةٍ لَمْ تَتَخَلّصْ مِنْ هَذِهِ الْمُخَالَطَةِ وَلَمْ تَتَمَحّصْ مِنْهُ فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ الْعَزِيزِ أَنْ قَيّضَ لَهَا مِنْ الْمِحَنِ وَالْبَلَايَا مَا يَكُونُ كَالدّوَاءِ الْكَرِيهِ لِمَنْ عَرَضَ لَهُ دَاءٌ إنْ لَمْ يَتَدَارَكْهُ طَبِيبُهُ بِإِزَالَتِهِ وَتَنْقِيَتِهِ مِنْ جَسَدِهِ وَإِلّا خِيفَ عَلَيْهِ مِنْهُ الْفَسَادُ وَالْهَلَاكُ فَكَانَتْ نِعْمَتُهُ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِمْ بِهَذِهِ الْكَسْرَةِ وَالْهَزِيمَةِ وَقَتْلِ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ تُعَادِلُ نِعْمَتُهُ عَلَيْهِمْ بِنَصْرِهِمْ وَتَأْيِيدِهِمْ وَظَفَرِهِمْ بِعَدُوّهِمْ فَلَهُ عَلَيْهِمْ النّعْمَةُ التّامّةُ فِي هَذَا وَهَذَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>