وكان محمد بن واسع إذا أراد أنْ ينام قال لأهله: أستودعكم الله، فلعلَّها أنْ تكون منيتي التي لا أقوم منها فكان هذا دأبه إذا أراد النوم.
وقال بكر المزني: إنِ استطاع أحدُكم أن لا يبيت إلا وعهدُه عند رأسه مكتوبٌ، فليفعل، فإنَّه لا يدري لعله أنْ يبيتَ في أهلِ الدُّنيا، ويُصبح في أهلِ الآخرة.
وكان أويسٌ إذا قيل له: كيف الزمانُ عليك؟ قال: كيف الزمانُ على رجل إنْ أمسى ظنَّ أنَّه لا يُصبحُ، وإنْ أصبح ظنَّ أنَّه لا يمسي فيبشر بالجنة أو النار؟
تزود من الدنيا فإنك لا تدري … إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر
فكم من صحيح مات من غير علة … وكم من سقيم عاش حينا من الدهر
وكم من فتى أمسى وأصبح ضاحكا … وأكفانه في الغيب تنسج وهو لا يدري
وكم من صغار يرتجى طول عمرهم … وقد أدخلت أجسامهم ظلمة القبر
وكم من عروس زينوها لزوجها … وقد قبضت أرواحهم ليلة القدر
فمن عاش ألفا وألفين … فلا بد من يوم يسير إلى القبر
قال العلماء: تذكر الموت يردع عن المعاصي، ويلين القلب القاسي، ويذهب الفرح بالدنيا، ويهون المصائب فيها.
وقال التيمي: شيئان قطعا عني لذة الدنيا: ذكر الموت، وذكر الموقف بين يدي الله تعالى.
ونظر ابن مطيع ذات يوم إلى داره فأعجبه حسنها، فبكى وقال: والله لولا الموت لكنت بكِ مسروراً.
الموت بابٌ وكلُ الناس داخلُه … يا ليت شعري بعد البابِ ما الدارُ
قال الشاعر:
هو الموتُ ما منه ملاذ ومهرب … متى حط ذا عن نعشه ذاك يركبُ.
وقال الآخر:
الموت بابٌ وكل الناس داخله … يا ليت شعري بعد الموت ما الدارُ.
كفى بالموت مقرحاً للقلوب، ومبكياً للعيون، ومفرقاً للجماعات، وهادماً للذات، وقاطعاً للأمنيات.