وقد نقل النووي تفسير جملة (أو خاصة أحدكم) بأنها الموت يأتي فيحول بين المرء وبين العمل حتى يتمنى المرء أن يرجع إلى الدنيا ليتمكن من عمل صالح طالما أعرض عنه في دار الدنيا.
وقال عونُ بنُ عبد الله: ما أنزل الموتَ كُنْهَ منْزلته مَنْ عدَّ غداً من أجله. كم من مستقبل يوماً لا يستكمِلُه، وكم من مؤمِّل لغدٍ لا يُدرِكُه، إنَّكم لو رأيتم الأجلَ ومسيرَه، لأبْغَضتُم الأمل وغُرورَه، وكان يقولُ: إنَّ من أنفع أيام المؤمن له في الدنيا ما ظن أنَّه لا يدرك آخره.
وكانت امرأةٌ متعبدة بمكة إذا أمست قالت: يا نفسُ، الليلةُ ليلتُك، لا ليلةَ لكِ غيرها، فاجتهدت، فإذا أصبحت، قالت: يا نفس اليومُ يومك، لا يومَ لك غيره فاجتهدت.
وقال بكرٌ المزنيُّ: إذا أردت أنْ تنفعَك صلاتُك فقل: لعلِّي لا أُصلِّي غيرها، وهذا مأخوذٌ مما رُوي عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال (صلِّ صلاة مودِّع).
وأقام معروفٌ الكرخيّ الصّلاةَ، ثم قال لرجل: تقدَّم فصلِّ بنا، فقال الرجل: إنِّي إنْ صليتُ بكم هذه الصلاة، لم أُصلِّ بكم غيرَها، فقال معروف: وأنتَ تحدِّث نفسك أنّك تُصلِّي صلاةً أخرى؟ نعوذُ بالله من طولِ الأمل، فإنَّه يمنع خيرَ العمل.
وطرق بعضُهم بابَ أخٍ له، فسأل عنه، فقيل له: ليس هو في البيت، فقال: متى يرجع؟ فقالت له جارية من البيت: من كانت نفسُه في يد غيره، من يعلم متى يرجِعُ.
(فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) أي: من جنب النار ونجا منها، وأدخل الجنة فقد فاز كل الفوز، بنجاته من العذاب الأليم، ووصوله إلى جنات النعيم، التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
• ومفهوم الآية أن من لم بزحزح عن النار ويدخل الجنة فقد شقي شقاء لا سعادة بعده.