فما عيبت الدنيا بأكثر من ذكر فنائها وتقلب أحوالها، وهو أدل دليل على انقضائها وزوالها، فتتبدل صحتها بالسقم، ووجودها بالعدم، وشبيبتها بالهرم، ونعيمها بالبؤس، وحياتها بالموت، فتفارق الأجسام النفوس وعمارتها بالخراب واجتماعها بفرقة الأحباب وكل ما فوق التراب تراب قال بعض السلف في يوم عيد وقد نظر إلى كثرة الناس وزينة لباسهم: هل ترون إلا خرقا تبلى أو لحما يأكله الدود غدا كان الإمام أحمد -رضي الله عنه- يقول: يا دار تخربين ويموت سكانك.
وقال -صلى الله عليه وسلم- (لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء) رواه الترمذي.
وقال -صلى الله عليه وسلم- (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه … ) رواه الترمذي.
وقال -صلى الله عليه وسلم- (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) رواه مسلم.
وقال -صلى الله عليه وسلم- (ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها) رواه الترمذي.
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- (ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بما يرجع) رواه مسلم
قال النووي رحمه الله: ما للدنيا بالنسبة للآخرة في قصر مدتها وفناء لذاتها ودوام الآخرة ودوام لذاتها ونعيمها إلا كنسبة الماء الذي يعلق بالإصبع إلى باقي البحر.
وقال -صلى الله عليه وسلم- لابن عمر (يا ابن عمر كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) رواه البخاري وفي رواية (وعد نفسك من أهل القبور).
هذه وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- لابن عمر، وهي في الواقع وصية له وللأمة من بعده -رضي الله عنه-، كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل وعد نفسك من أهل القبور، قال الإمام النووي رحمه الله في معنى الحديث (لا تركن إلى الدنيا ولا تتخذها وطنا، ولا تحدّث نفسك بطول البقاء فيها ولا بالاعتناء بها، ولا تتعلق منها إلا بما يتعلق به الغريب في غير وطنه).