وخشية الله في الغيب والشهادة من المنجيات، كما قال -صلى الله عليه وسلم- (ثلاث منجيات، وذكر منها: خشية الله في السر والعلن).
وقال الشافعي: أعز ثلاثة: الجود من قلة، والورع في خلوة، وكلمة الحق عند من يرجى أو يخاف.
وكان الإمام أحمد ينشد:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل … خلوتُ ولكنْ قل عليّ رقيب
ولا تحسبنّ اللهَ يغفلُ ساعةً … ولا أن ما يخفى عليه يغيبُ
وقال الشاعر:
إذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلَى الطغياني
فاستحي مِن نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني
قال ابن رجب رحمه الله: وفي الجملة، فتقوى الله في السر هو علامة كمال الإيمان، وله تأثير عظيم في إلقاء الله لصاحبه الثناء في قلوب المؤمنين.
وقال رحمه الله في شرح حديث عمار: فأما خشية الله في الغيب والشهادة، فالمعنى أن العبد يخشى الله سراً وإعلاناً وظاهراً وباطناً، فإن أكثر الناس يرى أنه يخشى الله في العلانية وفي الشهادة، ولكن الشأن في خشيته في الغيب إذا غاب عن أعين الناس، وقد مدح الله من يخافه بالغيب:
قال تعالى (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ).
وقال تعالى (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ).
وقال تعالى (لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ).
وقال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ).
ومن هنا عظم ثواب من أطاع الله سراً بينه وبينه، ومن ترك المحرمات التي يقدر عليها سراً.
فأما الأول: فمثل قوله تعالى (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ … فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).