للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجمهور العلماء على القول الأول وهو: ألاّ تجوروا.

قال ابن القيم: قال الشافعي: أن لا تكثر عيالكم فدل على أن قلة العيال أولى.

قيل: قد قال الشافعي رحمه الله ذلك وخالفه جمهور المفسرين من السلف والخلف وقالوا معنى الآية: ذلك أدنى أن لا تجوروا ولا تميلوا، فإنه يقال: عال الرجل يعول عولاً إذا مال وجار، ومنه عول الفرائض لأن سهامها إذا زادت دخلها النقص، ويقال عال يعيل عيلة إذا احتاج.

قال تعالى (وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء).

ثم قال ابن القيم مرجحاً القول الأول (وهو قول الجمهور): لكن يتعين الأول لوجوه:

أحدها: أنه المعروف في اللغة الذي لا يكاد يعرف سواه ولا يعرف عال يعول إذا كثر عياله إلا في حكاية الكسائي وسائر أهل اللغة على خلافه.

الثاني: أن هذا مروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولو كان من الغرائب فانه يصلح للترجيح.

الثالث: أنه مروي عن عائشة وابن عباس ولم يعلم لهما مخالف من المفسرين.

الرابع: أن الأدلة التي ذكرناها على استحباب تزوج الولود وأخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه يكاثر بأمته الأمم يوم القيامة يرد هذا التفسير.

الخامس: أن سياق الآية إنما هو في نقلهم مما يخافون الظلم والجور فيه إلى غيره فإنه قال في أولها (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) فدلهم سبحانه على ما يتخلصون به من ظلم اليتامى وهو نكاح

ما طاب لهم من النساء البوالغ، وأباح لهم منهن أربعاً، ثم دلهم على ما يتخلصون به من الجور والظلم في عدم التسوية بينهن فقال (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) ثم أخبر سبحانه أن الواحدة وملك اليمين أدنى إلى عدم الميل والجور وهذا صريح في المقصود.

السادس: أنه لا يلتئم قوله (فإن خفتم ألا تعدلوا في الأربع فانكحوا واحدة أو تسروا ما شئتم بملك اليمين، فإن ذلك أقرب إلى أن لا تكثر عيالكم بل هذا أجنبي من الأول فتأمله.

السابع: أنه من الممتنع أن يقال لهم إن خفتم أن ألا تعدلوا بين الأربع فلكم أن تتسروا بمائة سرية وأكثر فإنه أدنى أن لا تكثر عيالكم.

الثامن: أن قوله (ذلك أدنى ألا تعولوا) تعليل لكل واحد من الحكمين المتقدمين وهما نقلهم من نكاح اليتامى إلى نكاح النساء البوالغ، ومن نكاح الأربع إلى نكاح الواحدة أو ملك اليمين ولا يليق تعليل ذلك بقلة العيال.

التاسع: أنه سبحانه قال (فإن خفتم ألا تعدلوا) ولم يقل: وإن خفتم أن تفتقروا أو تحتاجوا ولو كان المراد قلة العيال لكان الأنسب أن يقول ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>