للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) قال ابن جرير: معنى ذلك: أنبئوني بأسماء من عرضته عليكم أيتها الملائكة القائلون (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) من غيرنا، أم منّا؟ فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك إن كنتم صادقين في قيلكم أني إن جعلت خليفتي في الأرض من غيركم عصاني ذريته، وأفسدوا فيها، وسفكوا الدماء، وإن جُعلتم فيها أطعتموني، واتبعتم أمري بالتعظيم لي والتقديس، فإنكم إن كنتم لا تعلمون أسماء هؤلاء الذين عرضتهم عليكم من خلقي وهم مخلوقون موجودون ترونهم وتعاينونهم، وعلمه غيركم بتعليمي إياه، فأنتم بما هو غير موجود من الأمور الكائنة التي لم توجد بعد، وبما هو مستتر من الأمور التي هي موجودة عن أعينكم أحرى أن تكونوا غير عالمين، فلا تسألوني ما ليس لكم به علم، فإني أعلم بما يصلحكم ويصلح خلقي.

• وقال ابن عاشور: قوله تعالى (إن كنتم صادقين) إما أراد به إن كنتم صادقين في أنكم أفضل من هذا المخلوق إن كان قولهم (ونحن نسبح .. ) الخ تعريضاً بأنهم أحقاء بذلك، أو أراد إن كنتم صادقين في عدم جدارة آدم بالخلافة كما دل عليه قولهم (أتجعل فيها من يفسد فيها) كان قولهم (ونحن نسبح بحمدك) لمجرد التفويض أو الإعلان للسامعين من أهل الملأ الأعلى بالبراءة من شائبة الاعتراض على ما اخترناه.

(قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا) أقروا واعترفوا بعلم الله وحكمته، وقصورهم عن معرفة أدنى شيء، واعترافهم بفضل الله عليهم، وتعليمه إياهم ما لا يعلمون.

• قوله تعالى (قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا) فيه أدب من الآداب، وهو أن الإنسان إذا سئل عن شيء لا يعلمه: أن يقول: الله أعلم.

قال القرطبي: الواجب على من سئل عن علم أن يقول إن لم يعلم: الله أعلم، ولا أدري، اقتداء بالملائكة والنبيين والفضلاء من العلماء.

قال تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم).

ولما سئل النبي -صلى الله عليه وسلم-: أي البقاع خير؟ فقال: لا أدري حتى أسأل جبريل، فسأل جبريل: فقال: لا أدري. …

(إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ) بكل شيء، السر وأخفى (وسبقت مباحث علم الله).

(الْحَكِيمُ) اسم من أسماء الله متضمن لصفة الحكمة الكاملة لله تعالى، فأوامره وأحكامه وأفعاله كلها لحكمة.

قال ابن جرير: هو الذي لا يدخل تدبيره خلل ولا زلل.

وقال ابن كثير: الحكيم في أفعاله وأقواله فيضع الأشياء في محالها بحكمته وعدله.

قال ابن القيم: وقد دلت العقول الصحيحة والفطر السليمة على ما دل عليه القرآن والسنة: أنه سبحانه (حكيم) لا يفعل شيئاً عبثاً ولا لغير معنى ومصلحة وحكمة هي الغاية المقصودة بالفعل، بل أفعاله سبحانه صادرة عن حكمة بالغة، لأجلها فعل كما فعل كما هي ناشئة عن أسباب بها فعل.

وقال السعدي: فالا يخلق شيئاً عبثاً، ولا يشرع سدى، الذي له الحكم في الأولى والآخرة، وله الأحكام الثلاثة لا يشاركه فيها مشارك، فيحكم بين عباده في شرعه، وفي قدره، وجزائه، والحكمة: وضع الأشياء مواضعها، وتنزيلها منازلها.

• فهو سبحانه حكيم في صنعه، وحكيم في شرعه، فجميع مصنوعاته كلها محكمة، قال تعالى (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) وأما في الشرع فيقول سبحانه (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) فلا يمكن أن يوجد تناقض في القرآن أبداً.

<<  <  ج: ص:  >  >>