(وَالْمَسَاكِينُ) جمع مسكين، وهو من لا يجد تمام كفايته، سموا بذلك، لأن الفقر أذله وأسكنه، وقد استعاذ النبي -صلى الله عليه وسلم- من الفقر والجوع، فعن أبي هريرة. أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول (اللهم إني أعوذ بك من الجوع، فإنه بئس الضجيع) رواه أبو داود، وفي حديث أبي بكرة. أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول دبر كل صلاة (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر). رواه النسائي قال الرازي: إنما قدم اليتامى على المساكين لأن ضعف اليتامى أكثر، وحاجتهم أشد، فكان وضع الصدقات فيهم أفضل وأعظم في الأجر.
(فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) أي: من المال الموروث المقسوم بحضرتهم، تطييباً لخاطرهم ولنفوسهم، فإن النفوس تتوق للمال إذا رأته يوزع على هذا وعلى هذا وهم لا نصيب لهم. و (من) للتبعيض.
• قال الشوكاني: قوله تعالى (فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) شرع الله سبحانه أنهم إذا حضروا قسمة التركة كان لهم منها رزق، فيرضخ لهم المتقاسمون شيئاً منها. وقد ذهب قوم إلى أن الآية محكمة، وأن الأمر للندب. وذهب آخرون إلى أنها منسوخة بقوله تعالى (يُوصِيكُمُ الله فِي أولادكم) والأوّل أرجح، لأن المذكور في الآية للقرابة غير الوارثين ليس هو من جملة الميراث حتى يقال إنها منسوخة بآية المواريث.
• واختلف العلماء في الأمر في قوله (فارزقوهم) هل هو للوجوب أو الاستحباب، فقيل: للوجوب لظاهر الآية، وقيل: للاستحباب، وهذا أرجح.
• قال ابن عاشور: والأمر في قوله (فارزقوهم منه) محمول عند جمهور أهل العلم على الندب من أوّل الأمر، إذ ليس في
الصدقات الواجبة غير الزكاة، لأنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال للأعرابي لمّا قال له: هل عليّ غيرها؟ لا إلاّ أنّ تطَّوّع، وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وفقهاء الأمصار.
• قال السعدي: قوله تعالى (فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) أي: أعطوهم ما تيسر من هذا المال الذي جاءكم بغير كد ولا تعب، ولا عناء ولا نَصَب، فإن نفوسهم متشوفة إليه، وقلوبهم متطلعة، فاجبروا خواطرهم بما لا يضركم وهو نافعهم.
ويؤخذ من المعنى أن كل من له تطلع وتشوف إلى ما حضر بين يدي الإنسان، ينبغي له أن يعطيه منه ما تيسر، كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول (إذا جاء أحدَكم خادمُه بطعامه فليجلسه معه، فإن لم يجلسه معه، فليناوله لقمة أو لقمتين) أو كما قال.