• قال ابن كثير: كان المؤمنون في ابتداء الإسلام -وهم بمكة -مأمورين بالصلاة والزكاة وإن لم تكن ذات النُّصُب، لكن كانوا مأمورين بمواساة الفقراء منهم، وكانوا مأمورين بالصفح والعفو عن المشركين والصبر إلى حين، وكانوا يتحرقون ويودون لو أمروا بالقتال ليشتفوا من أعدائهم، ولم يكن الحال إذ ذاك مناسباً لأسباب كثيرة، منها: قلة عددهم بالنسبة إلى كثرة عدد عدوهم، ومنها كونهم كانوا في بلدهم وهو بلد حرام وأشرف بقاع الأرض، فلم يكن الأمر بالقتال فيه ابتداء لائقا. فلهذا لم يؤمر بالجهاد إلا بالمدينة، لما صارت لهم دار ومنعة وأنصار، ومع هذا لما أمروا بما كانوا يودونه جَزع بعضهم منه وخافوا من مواجهة الناس خوفا شديداً (وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ) أي: لو ما أخرت فرضه إلى مدة أخرى، فإن فيه سفك الدماء، ويُتْم الأبناء، وتأيّم النساء، وهذه الآية في معنى قوله تعالى (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نزلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزلَتْ سُورَةُ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونُ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فِإِذَا عَزَمَ الأمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ).
وذكره السعدي في تفسيره وقال: كان المسلمون - إذ كانوا بمكة - مأمورين بالصلاة والزكاة، أي: مواساة الفقراء، لا الزكاة المعروفة ذات النصب والشروط، فإنها لم تفرض إلا بالمدينة، ولم يؤمروا بجهاد الأعداء لعدة فوائد:
منها: أن من حكمة الباري أن يشرع لعباده الشرائع على وجه لا يشق عليهم، ويبدأ بالأهم فالأهم والأسهل فالأسهل.
ومنها: أنه لو فرض عليهم القتال - مع قلة عددهم وعُدَدهم وكثرة أعدائهم - لأدى ذلك إلى اضمحلال الإسلام، فروهي جانب المصلحة العظمى على ما دونها، ولغير ذلك من الحكم.
(كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ) أي: عن القتال.
(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) أي: أدوها على وجه مستقيم بشروطها وأركانها ومستحباتها كما جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
• قال الشيخ السعدي: لم يقل: يفعلون الصلاة، أو يأتون الصلاة، لأنه لا يكفي فيها مجرد الإتيان بصورتها الظاهرة، فإقام الصلاة، إقامتها ظاهراً بإتمام أركانها وواجباتها وشروطها، وإقامتها باطناً بإقامة روحها، وهو حضور القلب فيها، وتدبر ما يقوله ويفعله منها.