وقال ابن القيم: هجر القرآن أنواع … الرابع: هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه.
وفي صحيح مسلم عن حذيفة (أنه صلى مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة فكان يقرأ مترسلاً إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ).
فهذا تطبيق نبوي عملي للتدبر ظهر أثره بالتسبيح والسؤال والتعوذ.
وعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال (صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة فقرأ بآية حتى أصبح يركع بها ويسجد بها (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم).
فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقدم التدبر على كثرة التلاوة، فيقرأ آية واحدة فقط في ليلة كاملة
• قال ابن القيم: ليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده من تدبر القرآن وجمع الفكر على معاني آياته؛ فإنها تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرها وعلى طرقاتهما وأسبابهما وثمراتهما ومآل أهلهما، وتتل في يده مفاتيح كنوز السعادة والعلوم النافعة، وتثبت قواعد الإيمان في قلبه، وتريه صورة الدنيا والآخرة والجنة والنار في قلبه، وتحضره بين الأمم، وتريه أيام الله فيهم، وتبصره مواقع العبر، وتشهده عدل الله وفضله وتعرفه ذاته وأسماءه وصفاته وأفعاله.
• قال السعدي: وكلما ازداد العبد تأملا فيه ازداد علماً وعملاً وبصيرة، لذلك أمر الله بذلك وحث عليه وأخبر أنه هو المقصود بإنزال القرآن، كما قال تعالى (كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ) وقال تعالى (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا).
ومن فوائد التدبر لكتاب الله: أنه بذلك يصل العبد إلى درجة اليقين والعلم بأنه كلام الله، لأنه يراه يصدق بعضه بعضاً، ويوافق بعضه بعضاً، فترى الحكم والقصة والإخبارات تعاد في القرآن في عدة مواضع، كلها متوافقة متصادقة، لا ينقض بعضها بعضا، فبذلك يعلم كمال القرآن وأنه من عند من أحاط علمه بجميع الأمور، فلذلك قال تعالى (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا) أي: فلما كان من عند الله لم يكن فيه اختلاف أصلاً.
• في هذه الآية الحث على تدبر القرآن، والتحذير من عدم تدبره وتفهمه.