وقال تعالى (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً).
وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ).
• قال ابن عطية: الضمير في (ودوا) عائد على المنافقين، وهذا كشف من الله لخبث معتقدهم، وتحذير للمؤمنين منهم. والمعنى تمنوا كفركم، وهي غاية المصائب بكم، وهذا الود منهم يحتمل أن يكون عن حسد منهم لهم على ما يرون للمؤمنين من ظهور في الدنيا، فتجري الآية مع ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم ويحتمل أمر المنافقين أن يكون أنهم رأوا المؤمنين على غير شيء فودوا رجوعهم إلى عبادة الأصنام، والأول أظهر.
(فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ) يوالونكم وتوالونهم، لأنهم أعداء، والله يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ).
• وهذا يستلزم عدم محبتهم، ويستلزم أيضاً بغضهم وعداونهم.
(حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ)(حتى) هنا للغاية، يعني استمروا في عداوتهم حتى يهاجروا في سبيل الله.
إن قيل: كيف قال: حتى يهاجروا في سبيل الله، وعبد الله بن أبي بن سلول كان بالمدينة، ومن المعلوم أنه لا هجرة في المدينة؟
قيل: أن المراد بالهجرة هنا هجرة أخرى، وهي هجرة صحيحة تحقق إيمانهم، وذلك بالخروج مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للقتال في سبيل الله مخلصين صابرين محتسبين.
وقيل: أن الآية في طوائف من المنافقين ممن كانوا خارج المدينة ولم يهاجروا إليها، وقد تعالى (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ).
• قال ابن عاشور: وعليه فقوله (فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله) إن حمل على ظاهر المهاجرة لا يناسب إلاّ ما تقدّم في سبب النزول عن مجاهد وابن عباس، ولا يناسب ما في (الصحيح) عن زيد بن ثابت، فتعيّن تأويل المهاجرة بالجهاد في سبيل الله، فالله نهى المسلمين عن ولايتهم إلى أن يخرجوا في سبيل الله في غزوة تقع بعد نزول الآية لأنّ غزوة أُحد، التي انخزل عنها عبد الله بن أبَيّ وأصحابه، قد مضت قبل نزول هذه السورة.