• ثم استثنى الله سبحانه من هؤلاء فقال:
(إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ) أي: إلا الذين لجؤوا وتحيزوا إلى قوم بينكم وبينهم مهادنة أو عقد ذمة، فاجعلوا حكمهم كحكمهم.
• قال البغوي: هذا الاستثناء راجع للقتل، لا إلى الموالاة، لأن موالاة الكفار والمنافقين لا تجوز بحال.
• فالله قد استثنى من هؤلاء الذين أمركم بأخذهم وقتلهم أناسا التجأوا واستندوا إلى قوم بينكم وبينهم عهد أمان، لأنهم بهذا الالتجاء قد صار حكمهم كحكم من لجئوا إليهم من حيث الأمان وعدم الاعتداء.
• قال القرطبي: (إِلاَّ الذين يَصِلُونَ) أي يتَّصلون بهم ويدخلون فيما بينهم من الجوار والحلف؛ المعنى: فلا تقتلوا قوماً بينهم وبين مَن بينكم وبينهم عهدٌ فإنهم على عهدهم ثم انتسخت العهود فانتسخ هذا.
هذا قول مجاهد وابن زيد وغيرهم، وهو أصح ما قيل في معنى الآية.
(أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ) هؤلاء قوم آخرون من المسْتثْنيْن عن الأمر بقتالهم، وهم الذين يجيئون إلى المصاف وهم حصرة صدورهم، أي: ضيقة صدورهم مبغضين أن يقاتلوكم، ولا يهون عليهم أيضاً أن يقاتلوا قومهم معكم، بل هم لا لكم ولا عليكم.
• … (حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) معنى حصرت: ضاقت وانقبضت.
• قال الرازي: قوله تعالى (حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) معناه ضاقت صدورهم عن المقاتلة فلا يريدون قتالكم لأنكم مسلمون، ولا يريدون قتالهم لأنهم أقاربهم.
• فأنت ترى أن الاستثناء في قوله إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ قد أخرج من الأخذ والقتل فريقين من الناس:
الفريق الأول: هو الذي ترك المحاربين من الأعداء، والتجأ إلى القوم الذين بينهم وبين المسلمين عهد أمان، فإنه بهذا الالتجاء قد صار حكمه كحكم من التجأ إليهم في الأمان.
والفريق الثاني: هو الذي جاء إلى المؤمنين، مسالماً وترك قومه، إلا أنه في الوقت نفسه يكره أن يقاتل المسلمين لحبه لهم، ويكره أن يقاتل قومه لأنهم قومه وعشيرته وأهله أو لأنه لو قاتلهم للحقه الضرر في ماله أو ذريته.
(وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ) قال الطبري: أي: ولو شاء الله لسلط هؤلاء الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق فيدخلون في جوارهم، والذين يجيئوكم قد حصرت صدورهم عن قتالكم وقتال قومهم عليكم، أيها المؤمنون، فقاتلوكم مع
أعدائكم من المشركين ولكن الله كفّهم عنكم.