• اختار ابن جرير أن الضمير في قوله (به) عائد على محمد -صلى الله عليه وسلم-، وكلا القولين صحيح لأنهما متلازمان.
(وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً) أي لا تعتاضوا عن الإيمان بآياتي وتصديق رسولي بالدنيا وشهواتها، فإنها قليلة فانية، فإنهم يعتقدون أن هذه المناصب - كالرياسة والمال والجاه والمآكل - تنقطع إذا آمنوا بالله ورسوله.
• قال ابن عاشور: عطف على النهي الذي قبله وهذا النهي موجَّه إلى علماء بني إسرائيل وهم القدوة لقومهم، والمناسبة أن الذي صدهم عن قبول دعوة الإسلام هو خشيتهم أن تزول رئاستهم في قومهم فكانوا يتظاهرون بإنكار القرآن ليلتف حولهم عامة قومهم فتبقى رئاستهم عليهم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لو آمن بي عشرة من اليهود لآمَن بي اليهودُ كلهم.
وقال رحمه الله: ووجه المشابهة بين إعراضهم وبين الاشتراء، أن إعراضهم عن آيات القرآن لأجل استبقاء السيادة، والنفع في الدنيا يشبه استبدال المشترِي في أنه يعطي ما لا حاجة له به ويأخذ ما إليه احتياجه وله فيه منفعته.
وقال رحمه الله: (ثمناً قليلاً) وقد أجمل العوض الذي استبدلوا به الآيات فلم يبين أهو الرئاسة أو الرشى التي يأخذونها ليشمل ذلك اختلاف أحوالهم فإنهم متفاوتون في المقاصد التي تصدهم عن اتباع الإسلام على حسب اختلاف همهم.
• قال القرطبي: وهذه الآية وإن كانت خاصة ببني إسرائيل فهي تتناول مَن فعل فعلهم.
سئل الحسن البصري عن قوله تعالى (ثَمَناً قَلِيلاً) قال: الثمن القليل الدنيا بحذافيرها.
• فالثمن القليل: يشمل المال والمنصب والجاه والشهرة والرفعة، فإن أحبار اليهود لو آمنوا بمحمد -صلى الله عليه وسلم- لذهبت عنهم بعض ما هم فيه من المكانة والمنزلة والرفعة.
وقد صدق من قال من السلف: من أحب أن يعرف ذهب دينه.
قال الحسن -رحمه الله: عقوبة العالم موت القلب، قيل له: وما موت القلب؟ قال: طلب الدنيا بعمل الآخرة (جامع بيان العلم وفضله).
قال محمد بن عمر الأسلمي - توفي سنة (٢٠٧ هـ) -رحمه الله: لقد كان الرجلان يتقاولان بالمدينة في أول الزمان، فيقول أحدهما لصاحبه: لأنت أفلس من القاضي، فصار القضاة اليوم ولاة وجبابرة وملوكاً وأصحاب غلات وضياع وتجارات وأموال! (الطبقات الكبرى).