• قال الزمخشرى: فإن قلت: معلوم أن القاعد بغير عذر والمجاهد لا يستويان، فما فائدة نفي الاستواء؟
قلت: معناه الإذكار بما بينهما من التفاوت العظيم والبون البعيد، ليأنف القاعد ويترفع بنفسه عن انحطاط منزلته، فيهتز للجهاد ويرغب فيه وفي ارتفاع طبقته، ونحوه (هَلْ يَسْتَوِى الذين يَعْلَمُونَ والذين لَا يَعْلَمُونَ) أريد به التحريك من حمية الجاهل وأنفته ليهاب به إلى التعلم، ولينهض بنفسه عن صفة الجهل إلى شرف العلم.
• وفي هذا دليل على أن أهل الأعذار لهم من الفضل - إن حسنت نواياهم - مثل من باشر الجهاد والعمل ويدل لذلك:
قوله -صلى الله عليه وسلم- (إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم حبسهم المرض) رواه مسلم.
• قال الشنقيطي: قوله في هذه الآية الكريمة (غَيْرُ أُوْلِى الضَّرَرِ) يفهم من مفهوم مخالفته أن من خلفه العذر إذا كانت نيته صالحة يحصل ثواب المجاهد.
وهذا المفهوم صرح به النَّبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث أنس الثابت في الصحيح أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " إن بالمدينة أقواماً ما سرتم من مسير ولا قطعتم من وادياً إلا وهم معكم فيه، قالوا: وهم بالمدينة يا رسول الله؟ قال: نعم حبسهم العذر.
(فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً) المراد بالدرجة المنزلة العالية والفضيلة الكبرى.
(وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى) أي: وكلاً من المجاهدين والقاعدين وعدهم الله الجزاء الحسن في الآخرة.
• والحسنى الجنة كما فسر ذلك النبي في قوله تعالى (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة).
• وهذا احتراز حتى لا يتوهم متوهم أن القاعد لا أجر له:
وهذا كقوله (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى).
وكقوله تعالى (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (٧٨) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا).