ويدخل في ذلك تغيير الفطرة التي فطر الله الناس عليها فيغييرون فطرة الخلق من التوحيد إل الشرك، ومن اليقين إلى الشك كما قال تعالى (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُون).
• قال الرازي: وللمفسرين هاهنا: قولان: الأول: أن المراد من تغيير خلق الله تغيير دين الله، وهو قول سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب والحسن والضحاك ومجاهد والسدي والنخعي وقتادة، وفي تقرير هذا القول وجهان: الأول: أن الله تعالى فطر الخلق على الإسلام يوم أخرجهم من ظهر آدم كالذر وأشهدهم على أنفسهم أنه ربهم وآمنوا به، فمن كفر فقد غير فطرة الله التي فطر الناس عليها، وهذا معنى قوله -صلى الله عليه وسلم- (كل مولود يولد على الفطرة " ولكن أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه)
القول الثاني: حمل هذا التغيير على تغيير أحوال كلها تتعلق بالظاهر، كالنمص والوشر.
(وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ) أي: أنه إذا فعل ما أمره الشيطان به وترك ما أمره الرحمن به صار كأنه اتخذ الشيطان ولياً لنفسه وترك ولاية الله تعالى.
(فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مبيناً) أي: فقد خسر الدنيا والآخرة، وتلك خسارة لا جبر لها ولا استدراك لفائتها.
(يَعِدُهُمْ) بالباطل.
(وَيُمَنِّيهِمْ) المحال، والأمنيات غالباً تكون بالأشياء المستبعدة الوقوع أو يستحيل وقوعها.
كما قال تعالى (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) فإنه يعدهم إذا أنفقوا في سبيل الله افتقروا، ويخوفهم إذا جاهدوا بالقتل وغيره كما قال تعالى (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين).
(وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً) الغرور: كل شيء ظاهره مستحسن وباطنه يضر، فالشيطان يزين له معصية الله.
والشيطان يخذل أولياءه:
كما قال تعالى مخبراً عن إبليس يوم المعاد (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
وقال تعالى (قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ).
وقال تعالى (فلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ).
(أُولَئِكَ) أي: المستجيبون له فيما وعدهم ومناهم.
(مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ) أي: مصيرهم ومآلهم يوم حسابهم إلى جهنم.
(وَلا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً) أي: ليس عنها مندوحة ولا مصرف، ولا خلاص ولا مناص، بل هم خالدون فيها أبد الآباد.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا) بقلوبهم، بما يجب الإيمان به.
(وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) بجوارحهم، وتقدم شرحها.