والثاني: في حق المخلوقين بالنصح لهم وإيصال الخير إليهم، وسلامة القلب من الحقد والحسد وسوء الظن والكبر وغير ذلك.
(وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) قال القاسمي: أي صفيّاً خالص المحبة له، وإظهاره -عليه السلام- في موضع الإضمار، لتفخيم شأنه
والتنصيص على أنه الممدوح، وسر هذه الجملة الترغيب في اتباع ملته -عليه السلام-، فإن من بلغ من الزلفى عند الله تعالى مبلغاً مصححاً لتسميته خليلاً، حقيق بأن يكون اتّباع طريقته أهم ما يمتد إليه أعناق الهمم، وأشرف ما يرمق نحوه أحداق الأمم، فإن درجة الخلة أرفع مقامات المحبة، وما ذاك إلا لكثرة طاعته لربه، كما وصفه [صفه] به في قوله (وَإِبْرَاهِيمَ الّذِي وَفّى).
قال كثير من علماء السلف: أي: قام بجميع ما أمر به، وفي كل مقام من مقامات العبادة، فكان لا يشغله أمر جليل عن حقير، ولا كبير عن صغير، وقال تعالى (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبّهُ بِكَلماتٍ فَأَتَمّهُنّ) الآية، وقال تعالى (إِنّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلم يَكُ مِنَ المشْرِكِينَ)
• قال ابن القيم: الخُلَّة تتضمن كمال المحبة ونهايتها، بحيث لا يبقى في القلب سعة لغير محبوبه، وهي منصب لا يقبل المشاركة بوجهٍ ما، وهذا المنصب خاص للخليلين صلوات الله وسلامه عليهما: إبراهيم ومحمد، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً).
وفي الصحيح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال (لو كنتُ متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الله) وفي حديث آخر (إني أبرأ إلى كل خليل من خلته).