• التوبيخ بالآية بسبب ترك فعل البر لا بسبب الأمر بالبر، فإن الأمر بالمعروف وهو واجب، ولكن الواجب والأولى أن يفعله مع أمرهم به ولا يتخلف عنهم، فكل من الأمر بالمعروف وفعله واجب، لا يسقط أحدهما بترك الآخر على أصح قولي العلماء.
وذهب بعضهم إلى أن مرتكب المعاصي لا ينهى غيره عنها، وهذا ضعيف، قال ابن كثير: والصحيح: أن العالم يأمر بالمعروف وإن لم يفعله، وينهى عن المنكر وإن ارتكبه، قال مالك عن ربيعة: سمعت سعيد بن جبير يقول: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر. قال مالك: وصدق من ذا الذي ليس فيه شيء؟
قال الحسن لمطرف بن عبد الله: عظ أصحابك، فقال: إني أخاف أن أقول مالا أفعل، قال يرحمك الله، وأينا يفعل ما يقول، ويود الشيطان أنه قد ظفر بهذا فلم يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن منكر.
• قال الشوكاني: الهمزة في قوله (أَتَأْمُرُونَ الناس بالبر) للاستفهام مع التوبيخ للمخاطبين، وليس المراد توبيخهم على نفس الأمر بالبر، فإنه فعل حسن مندوب إليه، بل بسبب ترك فعل البر المستفاد من قوله (وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُم).
• قال السعدي: وليس في الآية أن الإنسان إذا لم يقم بما أمر به أنه يترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، لأنها دلت على التوبيخ بالنسبة إلى الواجبين، وإلا فمن المعلوم أن على الإنسان واجبين: أمر غيره ونهيه، وأمر نفسه ونهيها، فترك أحدهما، لا يكون رخصة في ترك الآخر، فإن الكمال أن يقوم الإنسان بالواجبين، والنقص الكامل أن يتركهما، وأما قيامه بأحدهما دون الآخر، فليس في رتبة الأول، وهو دون الأخير، وأيضا فإن النفوس مجبولة على عدم الانقياد لمن يخالف قوله فعله، فاقتداؤهم