للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

• قال الشوكاني: قوله تعالى (بِظُلْمِهِمْ) الباء في قوله (بِظُلْمِهِمْ) للسببية، أي: بسبب ظلمهم في سؤالهم الباطل لامتناع الرؤية عياناً في هذه الحالة، وذلك لا يستلزم امتناعها يوم القيامة، فقد جاءت بذلك الأحاديث المتواترة. ومن استدل بهذه الآية على امتناع الرؤية يوم القيامة، فقد غلط غلطاً بيناً.

(وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) قيل: ينظر بعضهم إلى بعض يقع ميتاً حتى ماتوا عن آخرهم، وهذا اختيار ابن جرير، وقيل: صعق بعضهم والبعض الآخر ينظر، ثم بعث الذين صعقوا، وصعق الآخرون.

(ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ) أي أحييناكم، وفي هذا دليل على أن صعقهم كان موتاً حقيقياً.

• قال ابن الجوزي: ومن الدليل على أنهم ماتوا قوله تعالى (ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ) هذا قول الأكثرين، وزعم قوم أنهم لم يموتوا، واحتجوا بقوله تعالى (وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً) وهذا قول ضعيف، لأن الله تعالى فرق بين الموضعين، فقال هناك (فلما أفاق) وقال هاهنا (ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ) والإفاقة للمغشي عليه، والبعث للميت.

• وفي هذا إثبات البعث.

(ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ) إلهاً والمعنى بيان كمال جهالاتهم وإصرارهم على كفرهم فإنهم ما اكتفوا بعد نزول التوراة عليهم بطلب الرؤية جهرة، بل ضموا إليه عبادة العجل وذلك يدل على غاية بعدهم عن طلب الحق والدين.

قال السامري لهم (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ).

وقال تعالى (وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ).

(مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ) كاليد والعصا وفلق البحر وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى وإنجاؤهم من عدوهم.

• قوله تعالى (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) بيان لفرط ضلالهم وانطماس بصيرتهم، لأنهم لم يعبدوا العجل عن جهالة، وإنما عبدوه من بعد ما وصلت إلى أسماعهم وعقولهم الدلائل الواضحة وعلى وحدانية اللّه، وعلى أن عبادة العجل لا يقدم عليها إنسان فيه شيء من التعقل وحسن الإدراك.

• قال ابن كثير: قوله تعالى: (ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ) أي: من بعد ما رأوا من الآيات الباهرة والأدلة القاهرة على يد موسى -عليه السلام- في بلاد مصر وما كان من إهلاك عدو الله فرعون وجميع جنوده في اليمّ، فما جاوزوه إلا يسيرًا حتى أتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم، فقالوا لموسى (اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ. قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ. إِنَّ هَؤُلاءِ

مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ثم ذكر تعالى قصة اتخاذهم العجل مبسوطة في سورة "الأعراف"، وفي سورة "طه" بعد ذهاب موسى إلى مناجاة الله، عز وجل، ثم لما رجع وكان ما كان، جعل الله توبتهم من الذي صنعوه وابتدعوه: أن يقتُلَ من لم يعبد العجل منهم من عبده، فجعل يقتل بعضهم بعضا ثم أحياهم الله، عز وجل، فقال الله عز وجل فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِيناً).

<<  <  ج: ص:  >  >>