(وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً) أي: وقلنا لهم على لسان أنبيائهم ادخلوا باب القرية التي أمرناكم بدخولها ساجدين للّه، أى: ادخلوها متواضعين خاضعين للّه، شاكرين له فضله وكرمه، ولكنهم خالفوا ما أمرهم اللّه مخالفة تامة.
والمراد بالقرية التي أمرهم اللّه بدخول بابها ساجدين: قيل: هي بيت المقدس وقيل: إيلياء، وقيل: أريحاء. وقد أبهمها اللّه تعالى لأنه لا يتعلق بذكرها مقصد أو غرض، ولم يرد في السنة الصحيحة بيان لها.
وقد تحدث القرآن عن قصة أمرهم بدخول هذه القرية ساجدين بصورة أكثر تفصيلا في سورتي البقرة والأعراف.
فقال تعالى في سورة البقرة (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً، وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً، وَقُولُوا حِطَّةٌ، نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِين. فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ. فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُون).
(وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ) أي: لا تعتدوا باصطياد الحيتان يوم السبت فخالفوا واصطادوا.
(وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً) أي: شديداً فخالفوا وعصوا وتحيلوا على ارتكاب مناهي الله تعالى، وتحايلوا على استحلال محارمه.
• ووصف سبحانه الميثاق الذي أخذه عليهم بالغلظ أى: بالشدة والقوة لأنه كان قوياً في معناه وفي موضوعه وفي كل ما اشتمل عليه من أوامر ونواه وأحكام، ولأن نفوسهم كانت منغمسة في الجحود والعناد فكان من المناسب لها تأكيد العهد وتوثيقه لعلها ترعوى عن ضلالها وفسوقها عن أمر اللّه.
وقصة اعتداء اليهود على محارم اللّه في يوم السبت قد جاء ذكرها في كثير من آيات القرآن الكريم. ومن ذلك قوله تعالى في سورة البقرة (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ: كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ. فَجَعَلْناها نَكالًا لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ).
(فَجَعَلْنَاهَا) اختلف في مرجع الضمير على أقوال: قيل: العقوبة، وقيل: القردة، وقيل: القرية، ورجحه ابن كثير، وقال:
والصحيح أن الضمير عائد على القرية، أي فجعل الله هذه القرية والمراد أهلها بسبب اعتدائهم في سبتهم.
• وقال تعالى في سورة الأعراف (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ. وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ. فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ).