قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لكن العبادة المأمور بها تتضمن معنى الذل ومعنى الحب، فهي تتضمن غاية الذل لله تعالى بغاية المحبة له، ومن خضع لإنسان مع بغضه له لا يكون عابداً له، ولو أحب شيئاً ولم يخضع له لم يكن عابداً له، ولهذا لا يكفي أحدهما في عبادة الله تعالى، بل يجب أن يكون الله أحب إلى العبد من كل شيء، وأن يكون الله أعظم عنده من كل شيء، بل لا يستحق المحبة والخضوع التام إلا الله تعالى.
قال ابن كثير: إنما ذكروا لأنهم اتّخذوا آلهة مع الله، كما تخذ المسيح، فأخبر تعالى أنهم عبيد من عبيده وخلقٌ من خلقه كما قال تعالى (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ. لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ. يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ. وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ).
(وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ) أي: ومن يأنف ويتكبر عن عبادة الله تعالى.
(فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً) أي: فسيجمعهم إليه سبحانه يوم القيامة ويفصل بينهم بحكمه العدْل، الذي لا يجور فيه ولا يَحيف.
• قال البغوي: قيل الاستنكاف هو التكبر مع الأنفة، والاستكبار: هو العلو والتكبر من غير أنفة.
ولهذا قال:
(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ) بقلوبهم.
(وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ) أي: وعملوا الأعمال الصالحات من واجبات ومستحبات بجوارحهم.
• والعمل الصالح لا يكون صالحاً إلا بشرطين:
الشرط الأول: أن يكون خالصاً لله، قال -صلى الله عليه وسلم- (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) متفق عليه
الشرط الثاني: أن يكون متابعاً للنبي -صلى الله عليه وسلم-، لقوله -صلى الله عليه وسلم- (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم
• قال السعدي: ووصفت أعمال الخير بالصالحات، لأن بها تصلح أحوال العبد، وأمور دينه ودنياه.
(فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ) أي: يعطيهم على أعمالهم الصالحة ثوابهم.
(وَيَزيدُهُم مِّن فَضْلِهِ) أي: بل ويزيدهم على ذلك من فضله وإحسانه وسعة رحمته وامتنانه.
وقد ورد في كتاب الله أن الله يضاعف الحسنة بعشر أمثالها كما قال تعالى (مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا).
وقال تعالى (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).