قال ابن كثير: وهذا القول عن مجاهد هو اختيار ابن جرير يجمع الأقوال كلها، وهو أن القنوت: هو الطاعة والاستكانة إلى الله، كما قال تعالى (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ).
فإن قيل: كيف عمَّ بهذا القول وكثير من الخلق ليس له بمطيع؟ فعنه ثلاثة أجوبة:
أحدها: أن يكون ظاهرها ظاهر العموم، ومعناها معنى الخصوص، والمعنى: كل أهل الطاعة له قانتون.
والثاني: أن الكفار تسجد ظلالهم لله بالغدوات والعشيات، فنسب القنوت إليهم بذلك.
والثالث: أن كل مخلوق قانت له بأثر صنعه فيه، وجري أحكامه عليه، فذلك دليل على ذُلهِ للرب.
والرابع: كل له قائم يوم القيامة.
والخامس: مطيعون (في الأمر القدري الكوني) كن إنساناً فكان، كن حماراً فكان.
والصواب ما سبق وهو اختيار ابن جرير كما تقدم.
وقال السعدي: القنوت نوعان: قنوت عام وهو قنوت الخلق كلهم تحت تدبير الخالق، وخاص وهو قنوت العبادة، فالنوع الأول كما في هذه الآية، والنوع الثاني، كما في قوله تعالى (وقوموا لله قانتين).
(بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) أي خالقها على غير مثال سابق.
قال القرطبي: فالله عز وجل بديع السماوات والأرض أي منشئها وموجدها ومبدعها ومخترعها على غير حد ولا مثال، وكل من أنشأ ما لم يسبق إليه قيل له: مبدع.
(وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ) يبين بذلك تعالى كمال قدرته وعظيمِ سلطانهِ، وأنه إذا قدّر أمراً وأراد كونه؛ فإنما يقول له كن، أي مرة واحدة، فيكون، أي فيوجد على وفق ما أراد.
كما قال تعالى (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).
وقال تعالى (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).
وقال تعالى (وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ).
المراد بقوله (قضى أمراً) أي: إذا أحكم أمراً وحتمه. (قاله ابن جرير).
والمراد بأمر الله هنا بمعنى الشأن، (فإذا قضى أمراً) أي شيئاً مقضياً، وليس الأمر هنا بمعنى الطلب.
كما في قوله تعالى (وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) أي: وما شأنه.