(وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) أي: ومن أولادي أيضاً فاجعل أئمة يُقتدَى بهم.
• قال ابن عطية: هو على جهة الدعاء والرغباء إلى الله، أي: ومن ذريتي يا رب فاجعل.
• قال ابن عباس: سأل إبراهيم عليه السلام أن يجعل من ذريته إمام، فأعلمه الله أن في ذريته من يعصي فقال (لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ).
• قال السعدي: فلما اغتبط إبراهيم -عليه السلام- بهذا المقام، وأدرك هذا، طلب ذلك لذريته لتعلو درجته، ودرجة ذريته.
• هذا وقد جعل الله تعالى في ذرية إبراهيم النبوة والكتاب.
قال تعالى (وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ).
• قال السعدي: فلم يأت بعده نبي إلا من ذريته، ولا نزل كتاب إلا على ذريته، حتى ختموا بابنه محمداً -صلى الله عليه وسلم- وعليهم أجمعين.
وهذا من أعظم المناقب والمفاخر أن تكون مواد الهداية والرحمة، والسعادة والفلاح والفوز في ذريته، وعلى أيديهم اهتدى المهتدون، وآمن المؤمنون، وصلح الصالحون. (السعدي).
• قوله تعالى (ومن ذريتي) يحتمل: أن يكون ذلك دعاء من إبراهيم، أي: واجعل من ذريتي أئمة، ويحتمل: أن يكون هذا من إبراهيم بقصد الاستفهام وإن لم يكن بصيغته، أي: ومن ذريتي ماذا يكون يا رب، فأخبره أن فيهم عصاة وظلمة، ويحتمل: دعاء وطلب على جهة الرغباء إلى الله تعالى، أي من ذريتي يا رب فاجعل، وهذا أصح.
• الذرية في الأصل تطلق على الأبناء ومن جاء منهم، كهذه الآية، وكقوله تعالى (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ) وكقوله تعالى (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ)، وقد تطلق على الآباء، ومنه قوله تعالى (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ).
• قال ابن عاشور: وإنما قال إبراهيم (ومن ذريتي) ولم يقل وَذُريتي لأنه يعلَم أن حكمة الله من هذا العالم لم تجر بأن يكون جميع نسل أحد ممن يصلحون لأن يُقتدَى بهم فلم يسأل ما هو مستحيل عادة، لأن سؤال ذلك ليس من آداب الدعاء.
(قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) أي: لا ينال هذا الفضل العظيم - وهو الإمامة في الدين - أحد من المشركين.
قال ابن جرير: هذا خبر من الله جل ثناؤه عن أن الظالم لا يكون إماماً يقتدي به أهل الخير.
• ففيها إعلام من الله لإبراهيم الخليل -عليه السلام- أنه سيوجد من ذريتك من هو ظالم لنفسه.