• قال السعدي: هو الذي أحاط علمه بالظواهر والبواطن، والإسرار والإعلان، وبالواجبات والمستحيلات، والممكنات، وبالعالم العلوي والسفلي، وبالماضي والحاضر والمستقبل، فلا يخفى عليه شيء من الأشياء.
ومن علم الله أنه يعلم الأمور التي لن تكون كيف تكون لو كانت.
كما قال تعالى عن الكفار حين يكونون في النار (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ)، وقال تعالى (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا).
والمتخلفون عن غزوة تبوك لا يحضرونها أبداً، لأن الله هو الذي ثبطهم عنها بحكمته بقوله (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ) وهذا الخروج الذي لا يكون قد علم جل وعلا أن لو كان كيف يكون، كما صرح به في قوله (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ).
(رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) قال ابن جرير: يعنيان بذلك واجعلنا مستسلميْن لأمرك، خاضعيْن لطاعتك، ولا نشرك معك في الطاعة أحداً سواك، ولا في العبادة غيرك.
(وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) أي: واجعل من ذريتنا من يسلم وجهه لك، ويخضع لعظمتك.
• وفي هذا أنه ينبغي للإنسان أن يشمل ذريته بالدعاء، لأن الذرية الصالحة من آثار الإنسان الصالحة، كما قال إبراهيم في آية أخرى (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ). (ابن عثيمين).
• فائدة تكرير النداء بقوله (ربنا) إظهار الضراعة إلى الله تعالى وإظهار أن كل دعوى من هذه الدعوات مقصودة بالذات، ولذلك لم يكرر النداء إلا عند الانتقال من دعوة إلى أخرى فإن الدعوة الأولى لطلب تقبل العمل والثانية لطلب الاهتداء فجملة النداء معترضة بين المعطوف هنا والمعطوف عليه في قوله الآتي (ربنا وابعث فيهم رسولاً).
• فإن قلت: لم خص ذريتهما بالدعاء، قلت: لأنهم أحق بالشفقة والنصيحة، قال الله تعالى (قوا أنفسكم وأهليكم ناراً) ولأن أولاد الأنبياء إذا صلحوا صلح بهم غيرهم ألا ترى أن المتقدمين من العلماء والكبراء: إذا كانوا على السداد كيف يتسببون لسداد من وراءهم. (تفسير الخازن).
• وهذا الدعاء من إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام كما أخبرنا الله تعالى عن عباده المتقين المؤمنين في قوله (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً) وهذا القدر مرغوب فيه شرعاً، فإن من تمام محبة عبادة الله تعالى أن يحب أن يكون من صلبه من يعبد الله وحده لا شريك له.