للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول الثاني: أن (سيقول) بمعنى قال، وإنما عبر عن الماضي بلفظ المستقبل للدلالة على استدامته واستمراره عليه.

• قال الشوكاني: قوله (سَيَقُولُ) هذا إخبار من الله سبحانه لنبيه -صلى الله عليه وسلم- وللمؤمنين، بأن السفهاء من اليهود، والمنافقين سيقولون هذه المقالة عند أن تتحول القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة.

وقيل: إن (سَيَقُولُ) بمعنى: قال، وإنما عبر عن الماضي بلفظ المستقبل للدلالة على استدامته، والاستمرار عليه، وقيل: إن الإخبار بهذا الخبر كان قبل التحول إلى الكعبة، وأن فائدة ذلك أن الإخبار بالمكروه إذا وقع قبل وقوعه كان فيه تهوين لصدمته، وتخفيف لروعته، وكسراً لسَوْرته.

• قوله تعالى (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ … ) فائدة وصفهم بأنهم من الناس مع كونه معلوماً هو التنبيه على بلوغهم الحد الأقصى من السفاهة بحيث لا يوجد في الناس سفهاء غير هؤلاء فإذا قسم نوع الإنسان أصنافاً كان هؤلاء صنف السفهاء فيفهم أنه لا سفيه غيرهم على وجه المبالغة، والمعنى أن كل من صدر منه هذا القول هو سفيه سواء كان القائل اليهود أو المشركين من أهل مكة.

• سميت القبلة قبلة لأن المصلي يستقبلها.

• النبي -صلى الله عليه وسلم- حينما كان يستقبل بيت المقدس هل كان ذلك بوحي من الله أو باجتهاد منه؟ اختلف العلماء في ذلك:

فقيل: كان ذلك منه عن رأي واجتهاد، وقيل: أنه كان مخيراً بين بيت المقدس والكعبة فاختار القدس طمعاً في إيمان اليهود واستمالتهم، وقيل: أن ذلك كان بأمر الله ووحيه ثم نسخ بعد ذلك وأمره أن يستقبل بصلاته الكعبة، واستدلوا بقوله تعالى (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم … ) وهي واضحة الدلالة، وهذا القول هو الصحيح.

• قال القرطبي: دلت الآية على جواز نسخ السنة بالقرآن، وذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى نحو بيت المقدس، وليس في ذلك قرآن، فلم يكن الحكم إلا من جهة السنة ثم نسخ ذلك بالقرآن، وعلى هذا يكون (كنت عليها) بمعنى أنت عليها. … (قُلْ) أي: أنزل الله جواباً لهم.

(لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) أي: الحكم والتصرف والأمر كله لله (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) و (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ) فحيثما وجهنا توجهنا، فالطاعة في امتثال أمره ولو وجهنا في كل يوم مرات إلى جهات متعددة، فنحن عبيده وفي تصرفه، وخدامه حيثما وجهنا توجهنا، وهو تعالى له بعبده ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- وأمته عناية عظيمة، إذ هداهم إلى قبلة إبراهيم خليل الرحمن، وجعل توجههم إلى الكعبة المبنية على اسمه تعالى وحده لا شريك له أشرف بيوت الله في الأرض، إذ هي بناء الخليل -عليه السلام-.

<<  <  ج: ص:  >  >>