للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنه أيضا قوله تعالى (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ)، أي بينا له طريق الخير والشر بدليل قوله (إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً).

وأما الهدى الخاص: فهو تفضل الله بالتوفيق على العبد.

ومنه بهذا المعنى قوله تعالى (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ) الآية. وقوله (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ).

فإذا علمت ذلك فاعلم أن الهدى الخاص بالمتقين، هو الهدى الخاص وهو التفضل بالتوفيق عليهم، والهدى العام للناس هو الهدى العام، وهو إبانة الطريق وإيضاح المحجة.

• وقال ابن الجوزي: والثاني: خصَّ المتقين لانتفاعهم به، كقوله (إنما أنت منذر من يخشاها) وكان منذراً لمن يخشى ولمن لا يخشى.

• وقال السعدي: قوله تعالى (هدى للمتقين) وقال في موضع آخر (هدي للناس) فعمّ وفي هذا الموضع و غيره (هدى للمتقين) لأنه في نفسه هدى لجميع الخلق، فالأشقياء لم يرفعوا به رأساً ولم يقبلوا هدى الله، فقامت عليهم به الحجة ولم ينتفعوا به لشقائهم، وأما المتقون الذين أتوا بالسبب الأكبر لحصول الهداية وهو التقوى التي حقيقتها اتخاذ ما يقي سخط الله وعذابه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه فاهتدوا به وانتفعوا غاية الانتفاع قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً) فالمتقون هم المنتفعون بالآيات القرآنية والآيات الكونية.

• قال الشنقيطي: صرح في هذه الآية بأن هذا القرآن هدى للمتقين، ويفهم من مفهوم الآية - أعني مفهوم المخالفة المعروف بدليل الخطاب - أن غير المتقين ليس هذا القرآن هدى لهم، وصرح بهذا المفهوم في آيات أخر كقوله (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ والذين لَا يُؤْمِنُونَ في آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى) وقوله (وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظالمين إَلاَّ خَسَاراً) وقوله (وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هذه إِيمَاناً فَأَمَّا الذين آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إلى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ) وقوله تعالى (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً) الآيتين، ومعلوم أن المراد بالهدى في هذه الآية الهدى الخاص الذي هو التفضل بالتوفيق إلى دين الحق، لا الهدى العام، الذي هو إيضاح الحق.

• قال بعض العلماء: ولو لم يكن للمتقي فضيلة إلا في قوله تعالي (هدي للمتقين) كفاه لأنه تعالى بين أن القرآن هدى للناس في قوله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس) ثم قال ها هنا (هدى للمتقين) فهذا يدل على أن المتقين هم كل الناس فمن لا يكون متقياً كأنه ليس بإنسان.

<<  <  ج: ص:  >  >>