(عَلِيمٌ) أي: قد اطلع على ما أوصى به الميت، وهو عليم بذلك، وبما بدّله الموصي إليهم.
• وفي الآية وعيد شديد.
(فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً) الخطاب لجميع المسلمين، قيل لهم: إن خفتم من موص ميلاً في الوصية، وعدولاً عن الحق.
• الجنف، الميل، وذلك بأن يقع منه بغير قصد لجهله.
• قال الرازي: اعلم أنه تعالى لما توعد من يبدل الوصية، بين أن المراد بذلك التبديل أن يبدله عن الحق إلى الباطل، أما إذا غيره عن باطل إلى حق على طريق الإصلاح فقد أحسن، وهو المراد من قوله (فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ) لأن الإصلاح يقتضي ضرباً من التبديل والتغيير فذكر تعالى الفرق بين هذا التبديل وبين ذلك التبديل الأول، بأن أوجب الإثم في الأول وأزاله عن الثاني بعد اشتراكهما في كونهما تبديلين وتغييرين، لئلا يقدر أن حكمهما واحد في هذا الباب.
• قوله تعالى (فمن خاف) بعض العلماء فسره بالعلم فقال (فمن خاف) أي: من علِم، وبعضهم فسرها على بابها.
(أَوْ إِثْماً) أي: ووقوعاً في إثم - عن عمد - ولم يخرجها بالمعروف، وذلك بأن يوصي بالمال إلى زوج ابنته، أو لولد ابنته، لينصرف المال إلى ابنته، أو إلى ابن ابنه، والغرض أن ينصرف المال إلى ابنه، أو أوصى لبعيد وترك القريب.
(فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ) أي: أصلح الوصية وبدل فيها وغيرها إلى الوجه الصحيح الشرعي، وهذا الإصلاح والتوفيق ليس من التبديل بشيء.
وقيل: أصلح بينهم: بين الموصِي والموصَىَ له وبين الورثة، وهذا اختيار ابن جرير.
قال ابن جرير: وأولى الأقوال في تأويل الآية أن يكون تأويلها: فمن خاف من موصٍ جنفاً أو إثماً، وهو أن يميل إلى غير الحق خطأ منه، أو يتعمد إثماً في وصيته بأن يوصي لوالديه وأقربيه الذين لا يرثونه بأكثر مما يجوز له أن يوصي لهم به من ماله، وغيّر ما أذن الله له به مما جاوز الثلث، أو بالثلث كله، وفي المال قلة، وفي الورثة كثرة، فلا بأس على من حضره أن يصلح بين الذين يوصَى لهم وبين ورثة الميت وبين الميت، بأن يأمر الميت في ذلك بالمعروف، ويعرّفه ما أباح الله له في ذلك، وأذن له فيه من الوصية في ماله، وينهاه أن يجاوز في وصيته المعروف الذي قال الله تعالى ذكره في كتابه (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ) وذلك هو الإصلاح الذي قال الله تعالى (فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ) وكذلك إذا كان في المال فضل وكثرة، وفي الورثة قلة، فأراد أن يقصّر في وصيته لوالديه وأقربيه عن ثلثه، فأصلح من حضره بينه وبين ورثته وبين والديه وأقربيه الذين يريد أن يوصي لهم بأن يأمر المريض أن يزيد في وصيته لهم، ويبلغ بها ما رخص الله فيه من الثلث، فلذلك أيضاً هو من الإصلاح بينهم بالمعروف.