والغرض الثاني: أن في التشبيه بالسابقين تهويناً على المكلفين بهذه العبادة أن يستثقلوا هذا الصوم؛ فإن في الاقتداء بالغير أسوة في المصاعب، فهذه فائدة لمن قد يستعظم الصوم من المشركين فيمنعه وجوده في الإسلام من الإيمان ولمن يستثقله من قريبي العهد بالإسلام، وقد أكَّد هذا المعنى الضّمني قوله بعده (أياماً معدودات).
والغرض الثالث: إثارة العزائم للقيام بهذه الفريضة حتى لا يكونوا مقصرين في قبول هذا الفرض بل ليأخذوه بقوة تفوق ما أدى به الأمم السابقة.
• قال القفال رحمه الله: انظروا إلى عجيب ما نبّه الله عليه من سعة فضله ورحمته في هذا التكليف، فقد نبّه إلى ما يلي:
أولاً: أنّ لهذه الأمة في شريعة الصيام أسوة بالأمم المتقدمة.
ثانياً: أن الصوم سبب لحصول التقوى، فلو لم يُفرض لفات هذا المقصود الشريف.
ثالثاً: أنه مختص بأيام معدودات، فإنه لو جعله أبداً لحصلت المشقة العظيمة.
رابعاً: أنه خصّه من بين الشهور بالشهر الذي أُنزل فيه القرآن، لكونه أشرف الشهور.
خامساً: إزالة المشقة في إلزامه - فقد أباح تأخيره لمن يشق عليه من المسافرين والمرضى - فهو سبحانه قد راعى في فريضة الصيام هذه الوجوه من الرحمة، فله الحمد على نعمه التي لا تحصى.
(لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) بيان لحكمة الصيام وما لأجله شرع.
فالصيام فيه تقوى لله، لأن الصوم فيه تزكية للبدن وتضييق لمسالك الشيطان، ولهذا ثبت في الصحيحين (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء).
• قال القاسمي (لعلكم تتقون) تأكيد للحكم، وترغيب فيه، وتطييب لأنفس المخاطبين به، فإن الشاق إذا عمّ سهل عمله. والمماثلة إنما هي في أصل الوجوب لا في الوقت والمقدار، وفيه دليل على أن الصوم عبادة قديمة.
• فالصوم شرع من أجل حصول التقوى.
• قال ابن رجب الحنبلى: الصيام يقي صاحبه من المعاصي في الدنيا كما قال عز وجل (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) فإذا كان له جنة من المعاصي كان له في الآخرة جنة من النار ومن لم يكن له جنة في الدنيا من المعاصي لم يكن له جنة في الآخرة من النار.