قال ابن كثير: فدلت هذه الآية، وهذا الحديث، على أن حكم الحاكم لا يغير الشيء في نفس الأمر، فلا يحل في نفس الأمر حراماً وهو حرام، ولا يحرم حلالاً وهو حلال، وإنما هو ملزم في الظاهر، فإن طابقه في نفس الأمر فذاك، وإلا فللحاكم أجره وعلى المحتال وزره.
• قال ابن عاشور:(وتدلوا بها إلى الحكام) عطف على (تأكلوا) أي لا تدلوا بها إلى الحكام لتتوسلوا بذلك إلى أكل المال بالباطل، وخص هذه الصورة بالنهي بعد ذكر ما يشملها وهو أَكل الأموال بالباطل؛ لأن هذه شديدة الشناعة جامعة لمحرمات كثيرة، وللدلالة على أن معطي الرشوة آثم مع أنه لم يأكل مالاً بل آكلَ غيره.
قوله تعالى (تدلوا) من إرسال الدلو، والرشوة من الرشاء، كأنه يمد بها ليقضي الحاجة.
(لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً) طائفة، واللام للعاقبة: أي: لتكون العاقبة والنهاية أن تأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم، ويحتمل أن تكون اللام للتعليل، أي: لأجل أن تأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم.
(مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ) وهي أموال المدلى بأموالهم إلى الحكام أو بعضها.
(بِالْإِثْمِ) أي: بالذنب، لأنه أكل بغير حق.
(وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الواو حالية، أي: والحال أنكم تعلمون أن أكلكم لها باطل وإثم، وأنها حرام عليكم.
• قال القرطبي:(وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أي بطلان ذلك وإثمه، وهذه مبالغة في الجرأة والمعصية.
وقد ورد في الصحيحين عن أم سلمة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال (إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَىَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئاً بِقَوْلِهِ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ فَلَا يَأْخُذْهَا) متفق عليه.