(أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) قال ابن كثير: يقول الله تعالى: (أولئك) أي المتصفون بما تقدم من الإيمان بالغيب وإقام الصلاة والإنفاق من الذي رزقهم الله والإيمان بما أنزل إلى الرسول ومن قبله من الرسل والإيقان بالدار الآخرة وهو مستلزم الاستعداد لها من الأعمال الصالحة وترك المحرمات، (على هدى) أي على نور وبيان وبصيرة من الله تعالى، (وأولئك هم المفلحون) أي في الدنيا والآخرة.
• قوله تعالى (عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) أي على هدى عظيم، لأن التنكير للتعظيم، وأي هداية أعظم من تلك الصفات المذكورة المتضمنة للعقيدة الصحيحة والأعمال المستقيمة (وأولئك هم المفلحون) والفلاح هو الفوز بالمطلوب والنجاة من المرهوب، حصر الفلاح فيهم، لأنه لا سبيل إلى الفلاح إلا بسلوك سبيلهم.
• قال الشوكاني: معنى الاستعلاء في قوله (على هدى) مثل لتمكنهم من الهدى واستقرارهم عليه وتمسكهم به، شبهت حالهم بحال من اعتلى الشيء وركبه.
• وقال السعدى: وأتى بـ (على) في هذا الموضع، الدالة على الاستعلاء، وفي الضلالة يأتي بـ (في) كما في قوله (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) لأن صاحب الهدى مستعل بالهدى، مرتفع به، وصاحب الضلال منغمس فيه محتَقر. …
• قوله تعالى (مِنْ رَبِّهِمْ) أي خالقهم المدبر لأمورهم، والربوبية هنا خاصة متضمنة للتربية الخاصة التي فيها سعادة الدنيا والآخرة.
• قوله تعالى (وأولئك هم المفلحون) قال النووي: الفلاح الفوز والنجاة وإصابة الخير، قالوا وليس في كلام العرب كلمة أجمع للخير من لفظة الفلاح.
• قال البقاعي: والفلاح الفوز والظفر بكل مراد ونوال البقاء الدائم في الخير.
• وقال ابن عاشور: والفلاح: الفوز وصلاح الحال، فيكون في أحوال الدنيا وأحوال الآخرة، والمراد به في اصطلاح الدين الفوز بالنجاة من العذاب في الآخرة.
• وقال الشنقيطي: والفلاح في لغة العرب يطلق إطلاقين مشهورين، وكل منهما يدخل في الآية:
الإطلاق الأول: أن العرب تقول (أفلح فلان) إذا فاز بمطلوبه الأكبر، فكل إنسان كان يحاول مطلوباً أعظم ثم ظفر به وفاز بما كان يرجو فهذا قد أفلح.
الإطلاق الثاني: أن المراد بالفلاح: الدوام والبقاء السرمدي في النعيم، فكل من كان له دوام وبقاء في النعيم تقول العرب (نال الفلاح). (الشنقيطي).
• وقال السعدي: والفلاح هو الفوز بالمطلوب والنجاة من المرهوب، حصر الفلاح فيهم؛ لأنه لا سبيل إلى الفلاح إلا بسلوك سبيلهم، وما عدا تلك السبيل، فهي سبل الشقاء والهلاك والخسار التي تفضي بسالكها إلى الهلاك.
• قوله تعالى (وأولئك هم المفلحون) فيه أن الفلاح مرتب على الاتصاف بهذه الصفات، فإن اختلت صفة منها نقص من الفلاح بقدر ما اختل من تلك الصفات، لأن من عقيدة أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص، ولولا ذلك ما كان في الجنات درجات.