(بَغْياً بَيْنَهُمْ) أي: أن ذلك بسبب الحسد والتعدي والبغي من بعضهم على بعض.
قال الشوكاني: أي لم يختلفوا إلا للبغي: أي الحسد والحرص على الدنيا، وفي هذا تنبيه على السفه في فعلهم، والقبح الذي وقعوا فيه، لأنهم جعلوا نزول الكتاب سبباً في شدّة الخلاف.
• قال ابن عاشور: والمعنى أن داعي الاختلاف هو التحاسد، وقصد كل فريق تغليط الآخر، فيحمل الشريعة غير محاملها ليفسد ما حملها عليه الآخر فيفسد كل فريق صواب غيره وأما خطؤه فأمره أظهر.
وقوله (بَيْنَهُمْ) متعلق بقوله (بَغْياً) للتنصيص على أن البغي بمعنى الحسد، وأنه ظلم في نفس الأمة وليس ظلما على عدوها.
(فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ) في جميع الأبواب، فهداهم للدين الحق وهو الإسلام، وهداهم إلى الحق فيما اختلفوا فيه في أنبيائهم كعيسى، وهداهم إلى الحق.
عن أبي هريرة في قوله (فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ) قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- (نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، نحن أوّلُ الناس دخولا الجنة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم، فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق، فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه، فهدانا له فالناس لنا فيه تبع، فغدًا لليهود، وبعد غد للنصارى) متفق عليه.
قال ابن كثير: قال ابن وهب، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه في قوله (فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ) فاختلفوا في يوم الجمعة، فاتخذ اليهود يوم السبت، والنصارى يوم الأحد. فهدى الله أمة محمد ليوم الجمعة.
واختلفوا في القبلة؛ فاستقبلت النصارى المشرق، واليهود بيت المقدس، فهدى الله أمة محمد للقبلة.
واختلفوا في الصلاة؛ فمنهم من يركع ولا يسجد، ومنهم من يسجد ولا يركع، ومنهم من يصلي وهو يتكلم، ومنهم من يصلي وهو يمشي، فهدى الله أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- للحق من ذلك.