للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

• قال ابن كثير: أما إثمهما فهو في الدين، وأما المنافع فدنيوية، من حيث إن فيها نفع البدن، وتهضيم الطعام، وإخراجَ الفضلات، وتشحيذ بعض الأذهان، ولذّة الشدّة المطربة التي فيها، كما قال حسان بن ثابت في جاهليته:

ونشربها فتتركنا ملوكًا … وأسْدًا لا يُنَهْنهها اللقاءُ

وكذا بيعها والانتفاع بثمنها، وما كان يُقَمِّشه بعضهم من الميسر فينفقه على نفسه أو عياله، ولكن هذه المصالح لا توازي مضرّته ومفسدته الراجحة، لتعلقها بالعقل والدين، ولهذا قال:

(وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) فإثمهما كبير وكثير، لا تساويه تلك المنافع، وذلك لأن إثمهما وضررهما في الدين، ومنافعهما في

الدنيا فقط، ومنافع الدنيا كلها لا تساوي شيئاً بالنسبة للدين.

• أي أن المفاسد والاضرار التي تترتب على تعاطيهما، أعظم من المنافع التي تنشأ عن تعاطيهما، إذ تعاطيهما يؤدى إلى منفعة بعض الناس، أما مضارهما فكثيرة، من ذلك أن تعاطى الخمر يضعف الضمير، ويفسد الأخلاق، ويميت الحياء، ويفقد الرشد ويتلف المال، ويغرى بالتنازع بين الناس، ويتسبب - كما قال الأطباء الثقاة - في كثير من الأمراض كأمراض الكبد والرئتين والقلب .. إلخ.

• أما تعاطى الميسر فمن مضاره -كما قال بعض العلماء- إفساد التربية بتعويد النفس الكسل، وانتظار الرزق من الأسباب الوهمية، وإضعاف القوة العقلية، بترك الأعمال المفيدة في طرق الكسب الطبيعية، وإهمال المقامرين للزراعة والتجارة والصناعة التي هي أركان العمران، وتخريب البيوت فجأة بالانتقال من الغنى إلى الفقر في ساعة واحدة، فكم من عشيرة كبيرة نشأت في العز والغنى وانحصرت ثروتها في رجل أضاعها عليها في ليلة واحدة فأصبحت غنية وأمست فقيرة.

إذن فالمنافع الدنيوية التي تعود إلى بعض الناس من تعاطى الخمر والميسر لا تساوي شيئاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>