• قال الشنقيطي: قوله تعالى (وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِّتَعْتَدُواْ) صرح تعالى في هذه الآية الكريمة بالنهي عن إمساك المرأة مضارة لها لأجل الاعتداء عليها بأخذه ما أعطاها، لأنها إذا طال عليها الإضرار افتدت منه ابتغاء السلامة من ضرره، وصرح في موضع آخر بأنها إذا أتت بفاحشة مبينة جاز له عضلها، حتى تفتدى منه وذلك في قوله تعالى (وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ) واختلف العلماء في المراد بالفاحشة المبينة.
فقال جماعة منهم هي: الزنا، وقال قوم هي: النشوز والعصيان وبذاء اللسان، والظاهر شمول الآية للكل كما اختاره ابن جرير.
• وقال ابن كثير: إنه جيد، فإذا زنت أو أساءت بلسانها، أو نشزت جازت مضاجرتها. لتفتدي منه بما أعطاها على ما ذكرنا من عموم الآية.
(وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) بمخالفته أمر الله تعالى.
• قال ابن عاشور: جعل ظلمهم نساءهم ظلماً لأنفسهم، لأنه يؤدي إلى اختلال المعاشرة واضطراب حال البيت وفوات المصالح بشغب الأذهان في المخاصمات، وظلم نفسه أيضاً بتعريضها لعقاب الله في الآخرة.
• وقال الشيخ ابن عثيمين: وأضاف الظلم إلى نفسه - وإن كان ظلماً واقعاً على غيره - لأنه جلب على نفسه الإثم والعقوبة.
(وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً) أي: لا تجعلوها موضع استهزاء.
• قال ابن عاشور: عطف هذا النهي على النهي في قوله (ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا) لزيادة التحذير من صنيعهم في تطويل العدة، لقصد المضارة، بأن في ذلك استهزاء بأحكام الله التي شرع فيها حق المراجعة، مريداً رحمة الناس، فيجب الحذر من أن يجعلوها هزواً.
وآيات الله هي ما في القرآن من شرائع المراجعة نحو قوله (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) إلى قوله (وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون).
• وقال رحمه الله: ولما كان المخاطب بهذا المؤمنين، وقد علم أنهم لم يكونوا بالذين يستهزئون بالآيات، تعين أن الهزء مراد به مجازه وهو الاستخفاف وعدم الرعاية، لأن المستخف بالشيء المهم يعد لاستخفافه به، مع العلم بأهميته، كالساخر واللاعب، وهو تحذير للناس من التوصل بأحكام الشريعة إلى ما يخالف مراد الله، ومقاصد شرعه، ومن هذا التوصل المنهي عنه، ما يسمى بالحيل الشرعية.