(قَالَ) أي: نبيهم مجيباً لهم:
(إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ) أي: اختاره لكم من بينكم والله أعلم به منكم. يقول: لست أنا الذي عينته من تلقاء نفسي بل الله أمرني به لما طلبتم مني ذلك.
(وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) أي: وهو مع هذا أعلم منكم، وأنبل وأشكل منكم وأشد قوة وصبرًا في الحرب ومعرفة بها، أي: أتم علمًا وقامة منكم.
• قال الشوكاني: قوله تعالى (اصطفاه عَلَيْكُمْ) أي: اختاره، واختيار الله هو الحجة القاطعة، ثم بين لهم مع ذلك وجه الاصطفاء: بأن الله زاده بسطة في العلم، الذي هو ملاك الإنسان، ورأس الفضائل، وأعظم وجوه الترجيح، وزاده بسطة في الجسم الذي يظهر به الأثر في الحروب، ونحوها، فكان قوياً في دينه، وبدنه، وذلك هو المعتبر، لا شرف النسب. فإن فضائل النفس مقدّمة عليه.
• وقال الرازي: قال بعضهم: المراد بالبسطة في الجسم طول القامة، وكان يفوق الناس برأسه ومنكبه، وإنما سمي طالوت لطوله.
وقيل: المراد من البسطة في الجسم الجمال، وكان أجمل بني إسرائيل.
وقيل: المراد القوة، وهذا القول عندي أصح لأن المنتفع به في دفع الأعداء هو القوة والشدة، لا الطول والجمال.
• قال الرازي: إنه تعالى قدم البسطة في العلم، على البسطة في الجسم، وهذا منه تعالى تنبيه على أن الفضائل النفسانية أعلى وأشرف وأكمل من الفضائل الجسمانية.
• وقال ابن عاشور: قدم النبي في كلامه العلم على القوة لأن وقعه أعظم، قال أبو الطيب:
الرأي قبلَ شجاعةِ الشجعان … هو أَوَّلٌ وهي المحل الثاني.
فالعلم المراد هنا، هو علم تدبير الحرب وسياسة الأمة، وقيل: هو علم النبوة، ولا يصح ذلك لأن طالوت لم يكن معدوداً من أنبيائهم.
• قال أبو السعود: لمّا استبعدوا تملُّكَه بسقوط نسَبِه وبفقره ردَّ عليهم ذلك:
أولاً: بأن مَلاكَ الأمرِ هو اصطفاءُ الله تعالى وقد اختاره عليكم وهو أعلم بالمصالح منكم.
وثانياً: بأن العُمدة فيه وُفورُ العلم ليتمكَّنَ به من معرفة أمورِ السياسةِ، وجسامةُ البدن ليعظُم خطرُه في القلوب ويقدِرَ على مقاومة الأعداءِ ومكابدةِ الحروب وقد خصه الله تعالى منهما بحظٍّ وافرٍ.