• قوله تعالى (عيسى ابن مريم) قال ابن تيمية: لما ذكر الله المسيح في القرآن قال (ابن مريم) بخلاف سائر الأنبياء وفي ذلك فائدتان: إحداهما: بيان أنه مولود، والله لم يولد، والثانية: نسبته إلى مريم، بأنه ابنها ليس هو ابن الله. …
(وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) يعني: أن الله أيده بجبريل عليه السلام.
• فإن قيل: لم خص موسى وعيسى من بين الأنبياء بالذكر؟ وهل يدل ذلك على أنهما أفضل من غيرهما؟
والجواب: سبب التخصيص أن معجزاتهما أبر وأقوى من معجزات غيرهما، وأيضاً فأمتهما موجودون حاضرون في هذا الزمان، وأمم سائر الأنبياء ليسوا موجودين، فتخصيصهما بالذكر تنبيه على الطعن في أمتهما، كأنه قيل: هذان الرسولان مع علو درجتهما وكثرة معجزاتهما لم يحصل الانقياد من أمتهما، بل نازعوا وخالفوا، وعن الواجب عليهم في طاعتهما أعرضوا.
(وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ) أي: لو أراد الله ما اقتتل الأمم الذين جاءوا بعد الرسل من بعد الحجج الباهرة والبراهين الساطعة التي جاءتهم بها الرسل، فلو شاء الله ما تنازعوا ولا اختلفوا ولا تقاتلوا، ولجعلهم متفقين على اتباع الرسل.
• قال القرطبي: قوله تعالى (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) أي: من بعد الرسل.
قيل: الضمير لموسى وعيسى، والاثنان جمع، وقيل: من بعد جميع الرسل، وهو ظاهر اللفظ.
وقيل: إن القتال إنما وقع من الذين جاءوا بعدهم وليس كذلك المعنى، بل المراد ما اقتتل الناس بعد كل نبيّ، وهذا كما تقول: اشتريت خيلاً ثم بعتها، فجاز لك هذه العبارة وأنت إنما اشتريت فرساً وبعته ثم آخر وبعته، ثم آخر وبعته، وكذلك هذه النوازل إنما اختلف الناس بعد كل نبيّ فمنهم من آمن ومنهم من كفر بغياً وحسداً وعلى حطام الدنيا، وذلك كله بقضاء وقدر وإرادة من الله تعالى، ولو شاء خلاف ذلك لكان ولكنه المستأثر بِسرّ الحكمة في ذلك الفعل لما يريد.
(وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا) أي: ولكن الله لم يشأ هدايتهم بسبب اختلافهم في الدين وتشعب مذاهبهم وأهوائهم.