فكل صفة نفاها الله عن نفسه فإننا ننفيها عن الله مع إثبات كمال ضدها، وذلك: لأن النفي لا يدل على الكمال حتى يكون متضمناً لصفة ثبوتية يحمد عليها، فإن مجرد النفي قد يكون سببه العجز فيكون نقصاً، وقد يكون سببه عدم القابلية فلا يقتضي مدحاً، كما لو قلت: الجدار لا يظلم.
فقوله تعالى (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) لكمال عدله.
وقوله تعالى (وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ) لكمال قدرته.
وقوله تعالى (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) لكمال علمه.
وقوله تعالى (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) لكمال حياته وقيوميته.
وقوله تعالى (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً).
فالله لا يعجزه شيء لكمال علمه وقدرته.
قال الشيخ ابن عثيمين: فنفي العجز عنه يتضمن كمال علمه وقدرته، ولهذا قال بعده (إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً) لأن العجز سببه: إما الجهل بأسباب الإيجاد، وإما قصور القدرة عنه، فلكمال علم الله تعالى وقدرته لم يكن ليعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض.
• فالنوم من صفات النقص التي يُنزه الله عنها لكمال حياته، قال -صلى الله عليه وسلم- (إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام). رواه مسلم
فالنوم يحتاجه المخلوق لنقصه وعجزه، فهو يحتاج للنوم للاستراحة، ولذلك لما كان أهل الجنة كاملي الحياة، كانوا لا ينامون.
• ما الحكمة من ذكر النوم بعد نفي السنة، لأنه إذا قال (لا تأخذه سنة) فقد دل ذلك على أنه لا يأخذه نوم بطريق الأولى.
قيل: لا تأخذه سنة فضلاً عن أن يأخذه النوم.
وقيل: إنما جمع بين نفييهما لأنه لا يلزم من نفي أحدهما نفي الآخر، إذ يتصور مجيء النوم دفعة من غير مبادئ الوسن، ومجيء الوسن دون النوم فلذلك نفي كل واحد منهما على حدته بدليل تكرير (لا).
ولذلك قال ابن عاشور: ونفي السنة عن الله تعالى لا يغني عن نفي النوم عنه، لأنّ من الأحياء من لا تعتريه السنة فإذا نام نام عميقاً، ومن الناس من تأخذه السنة في غير وقت النوم غلبة، وقد تمادحت العرب بالقدرة على السهر.