ثم قال رحمه الله: قلت: والأظهر أن القائل هو الله تعالى؛ لقوله (وانظر إِلَى العظام كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً).
(قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) قالوا: وذلك أنه أماته أول النهار، ثم بعثه الله في آخر النهار، فلما رأى الشمس باقية ظن أنها شمس ذلك اليوم فقال (أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ).
• قال في التسهيل: (قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) استقل مدّة موته، قيل: أماته الله غدوة يوم ثم بعثه قبل الغروب من يوم آخر بعد مائة عام؛ فظنّ أنه يوم واحد، ثم رأى بقية من الشمس فخاف أن يكذب في قوله: يوماً فقال: أو بعض يوم.
• قال القرطبي: (قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) إنما قال هذا على ما عنده وفي ظنه، وعلى هذا لا يكون كاذباً فيما أخبر به؛ ومثله قول أصحاب الكهف (قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) وإنما لبثوا ثلاثمائة سنة وتسع سنين على ما يأتي ولم يكونوا كاذبين لأنهم أخبروا عما عندهم، كأنهم قالوا: الذي عندنا وفي ظنوننا أننا لبثنا يوماً أو بعض يوم.
ونظيره قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في قصة ذي اليَدَين: " لم أقصر ولم أَنْس" " ومن الناس من يقول: إنه كذبٌ على معنى وجود حقيقة الكذب فيه ولكنه لا مؤاخذة به، وإلا فالكذب الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو عليه وذلك لا يختلف بالعلم والجهل.
(قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ) أي: بل مكثت ميتاً مائة سنة كاملة.
(فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ) أي: فإن شككت فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتغير بمرور الزمان، وكان معه عنب وتين وعصير فوجدها على حالها لم تفسد.
(وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ) أي: كيف يحييه الله عز وجل وأنت تنظر.
(وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ) أي: دليلاً على المعاد.
(وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا) أي: نرفعها فتركب بعضها على بعض.
• قال ابن الجوزي: قوله تعالى (كيف ننشزها) قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو (ننشرها) بضم النون الأولى، وكسر الشين وراء مضمومة. ومعناه: نحييها، يقال: أنشر الله الميت، فنشرهم. وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: ننشزها، بضم النون مع الزاي، وهو من النشز الذي هو الارتفاع. والمعنى: نرفع بعضها إلى بعض للأحياء.
• قال الرازي: قوله تعالى (وانظر إِلَى العظام) فأكثر المفسرين على أن المراد بالعظام عظام حماره، فإن اللام فيه بدل الكناية، وقال آخرون أرادوا به عظام هذا الرجل نفسه.