(أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ) خص هذين النوعين من الثمار بالذكر لأنهما أشرف أنواع الثمار وأكثرها نفعاً، فإن منهما القوت والغذاء والدواء والشراب والفاكهة والحلو والحامض ويؤكلان رطباً يابساً منافعهما كثيرة جداً.
(وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ) هذا إشارة إلى شدة حاجته إلى جنته وتعلق قلبه بها من وجوه:
أحدها: أنه قد كبر سنه عن الكسب والتجارة ونحوها.
الثاني: أن ابن آدم عند كبر سنه يشتد حرصه.
الثالث: أن له ذرية فهو حريص على بقاء جنته لحاجته وحاجة ذريته.
الرابع: أنهم ضعفاء فهم كل عليه لا ينفعونه بقوتهم وتصرفهم.
الخامس: أن نفقتهم عليه لضعفهم وعجزهم. [انتهى كلام ابن القيم]
وهذا نهاية ما يكون من تعلق القلب بهذه الجنة لخطرها في نفسها وشدة حاجته وذريته إليها، فإذا تصورت هذه الحال وهذه الحاجة، فكيف تكون مصيبة هذا الرجل إذا أصاب جنته إعصار وهي الريح التي تستدير في الأرض ثم ترتفع في طبقات الجو كالعمود، وفيه نار مرت بتلك الجنة فأحرقتها وصيرتها رماداً، فصدق - والله الحسن - هذا مثل قلّ من يعقله من الناس.
• قال الماوردي: (وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ) لأن الكِبَر قد يُنسِي من سعي الشباب في كسبه، فكان أضعف أملاً وأعظم حسرة
(وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَآءُ) لأنه على الضعفاء أحَنّ، وإشفاقه عليهم أكثر.
وقد قيل: إن هذا المثل للمنفق المانّ بنفقته.
• قال ابن الجوزي: وهذه الآية مثلٌ ضربه الله تعالى في الحَسْرةِ بسلب النعمة عند شدّة الحاجة. وفيمن قَصَدَ به ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه مثل الذي يختم له بالفساد في آخر عُمره، قاله ابن عباس.
والثاني: أنه مثل للمفرط في طاعة الله تعالى حتى يموت، قاله مجاهد.
والثالث: أنه مثل للمرائي في النفقة، ينقطع عنه نفعها أحوج ما يكون إليه، قاله السدي.
(كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) أي: تعتبرون وتفهمون الأمثال والمعاني، وتنزلونها على المراد منها، كما قال تعالى (وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ).