وقال عطاء الخراساني: يعني إذا أعطيت لوجه الله، فلا عليك ما كان عملُه، وهذا معنى حسن، وحاصله أن المتصدق إذا تصدق ابتغاء وجه الله فقد وقع أجرُه على الله، ولا عليه في نفس الأمر لمن أصاب: أبَر أو فاجر أو مستحق أو غيرهُ، هو مثاب على قصده.
والحديث المخرج في الصحيحين: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (قال رجل: لأتصدقن الليلة بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية، فأصبح الناس يتحدثون: تُصُدقَ على زانية! فقال: اللهم لك الحمد على زانية، لأتصدقن الليلة بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدثون: تُصُدق الليلة على غَني! فقال: اللهم لك الحمد على غني، لأتصدقن الليلة بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون: تُصدق الليلة على سارق! فقال: اللهم لك الحمد على زانية، وعلى غني، وعلى سارق، فأتي فقيل له: أما صدقتك فقد قبلت؛ وأما الزانية فلعلها أن تستعف بها عن زناها، ولعل الغني يعتبر فينفق مما أعطاه الله، ولعل السارق أن يستعف بها عن سرقته).
الثاني: أن هذا وإن كان ظاهره خبراً إلا أن معناه نهي، أي ولا تنفقوا إلا ابتغاء وجه الله، وورد الخبر بمعنى الأمر والنهي كثيراً قال تعالى (والوالدات يُرْضِعْنَ أولادهن)(والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ).
الثالث: أن قوله (وَمَا تُنفِقُونَ) أي ولا تكونوا منفقين مستحقين لهذا الاسم الذي يفيد المدح حتى تبتغوا بذلك وجه الله. … (ذكر هذه الأقوال الرازي رحمه الله).
وقيل: إنه شهادة من الله تعالى للصحابة رضي الله عنهم أنهم إنما ينفقون ابتغاءَ وجهه؛ فهذا خرج مخرج التفضيل والثناء عليهم. (ذكره القرطبي).
(وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) أي: وما تنفقون من الخيرات والصدقات فإن أجره وثوابه أضعافاً مضاعفة تنالونه أنتم ولا تنقصون شيئاً من حسناتكم.