قال المناوي: قوله (عليم اللسان) أي: كثير علم اللسان، جاهل القلب والعمل، اتخذ العلم حرفة يتأكّل بها، ذا هيبة وأُبّهة، يتعزّز ويتعاظم بها، يدعو الناس إلى الله، ويفرّ هو منه، ويستقبح عيبَ غيره، ويفعل ما هو أقبح منه، ويظهر للناس التنسّكَ والتعبّد، ويسارر ربّه بالعظائم، إذا خلا به ذئب من الذئاب لكن عليه ثياب، فهذا هو الذي حذّر منه الشارع -صلى الله عليه وسلم- هنا حذرا من أن يخطفك بحلاوة لسانه، ويحرقك بنار عصيانه، ويقتلك بنتن باطنه وجنان.
ثانياً: تحذير الرسول -صلى الله عليه وسلم- من النفاق.
عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (إن أخوف ما أخاف عليكم بعدي: منافق عليم اللسان) رواه البيهقي في الشعب.
قال المناوي: كل منافق عليم اللسان: أي عالم للعلم، منطلق اللسان به، لكنه جاهل القلب والعمل، فاسد العقيدة، مغر للناس بشقاشقه وتفحصه وتقعره في الكلام.
ثالثاً: المنافقون كثر.
ومما يوجب مزيد الخوف من النفاق والحذر من المنافقين أنهم كثيرون منتشرون في بقاع الأرض.
قال الحسن البصري: لولا المنافقون لاستوحشتم في الطرقات.
وقال ابن القيم: كاد القرآن أن يكون كله في شأنهم، لكثرتهم على ظهر الأرض، وفي أجواف القبور، فلا خلت بقاع الأرض منهم لئلا يستوحش المؤمنون في الطرقات، وتتعطل بهم أسباب المعايش، وتخطفهم الوحوش والسباع في الفلوات، سمع حذيفة رجلاً يقول: اللهم أهلك المنافقين، فقال: يا ابن أخي، لو هلك المنافقون لاستوحشتم في طرقاتكم.
رابعاً: انتشار النفاق الأصغر في مجتمعاتنا.
ومما يؤكد خطر النفاق، أن الكثير من شعب النفاق الأصغر - الذي لا يخرج من الملة - قد عمت وطمت في مجتمعات المسلمين، كالكذب، وخلف الوعد، والرياء، والخيانة، والجبن، وترك الجهاد في سبيل الله، وعدم تحديث النفس بذلك.
ومع أن هذه الخصال من النفاق الأصغر لكنها قد تؤول إلى النفاق الأكبر المخرج من الملة.